السمة الأساسية في العالم هي سيطرة الرأسمال المالي والمهمة هي القيام بالثورات الديمقراطية بالبلدان المستعمرة والثورات الاشتراكية في البلدان الإمبريالية والرأسمالية عامة.
×××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××
"حتى السياسة الاستعمارية التي مارستها الرأسمالية في مراحلها السابقة تختلف اختلافا جوهريا عن السياسة الاستعمارية لرأس المال المالي، وإن السمة الأساسية في آخر مراحل الرأسمالية "الامبريالية" هي سيطرة الاتحادات الاحتكارية واستحواذ مجموعة على مصادر المواد الأولية، وكلما كان نقص المواد الأولية محسوسا بصورة أوضح كلما استعرت المنافسة واشتد الركض وراء مصادر المواد الأولية، احتدم الصراع من أجل حيازة المستعمرات" لينين.
إن ما يشهده العالم اليوم من أحداث و وقائع ما هي سوى تمظهرات للتطورات الحتمية التي تتميز بها الامبريالية كأعلى مرحلة تعيشها الرأسمالية ، فالعالم و منذ قرن من الزمن انقسم إلى قسمين أساسيين ، قسم تكونه البلدان الإمبريالية و قسم آخر هو الدول المستعمرة (بفتح الميم) و المضطهدة (بفتح الطاء) ، لكن قانون عدم التكافؤ في التطور جعل من موازين القوى الاقتصادية عالميا تختل بشكل مستمر ، وهذا ما يفسر كل الحروب التي نشبت بين هذه البلدان الإمبريالية سواء في الحرب العالمية الأولى أو الحرب العالمية الثانية أو ما بعد الثانية إلى حدود الراهن و ما نعيش الآن ".. الحرب العالمية الثالثة في الواقع كانت مستعرة من الناحية العملية منذ مدة طويلة إذ ليس في العالم بقعة خالية من الحروب. فالحروب منتشرة في جميع القارات الأربعة أميركا الجنوبية وآسيا وإفريقيا وأوروبـا، رغم أن هذه الحروب تبدو محلية، فهذه الحروب في الواقع حروب تتصادم فيها مصالح الدول الامبريالية لتقرير الدولة المسيطرة على هذا البلد أو ذاك من الناحية الاقتصادية والسياسية"(حسقيل قوجمان) فإذا كان شكل إنتاج الرأسمالية اجتماعيا فإن تنظيمه يبقى عشوائيا، فكما قال الرفيق لينين "لا يمكننا أن نفهم العالم دون أن نفهم جوهر الإمبريالية، ومن بين سماتها الأساسية هو اقترانها بالحروب الرجعية واللصوصية...".
إن سيطرة الرأسمالية على العالم و فشل التجربة السوفياتية و ارتداد و تراجع حركة التحرر العالمية و تربع القوى الإصلاحية و البرجوازية على عرشها، جعل من الشعوب لقمة صائغة لوحوش الرأسمال المالي من كبريات الكرتيلات و التروستات و التي تسيطر على كل مجالات الحياة و في جميع مناطق العالم، هاته الأخطبوطات و التي لا تعرف شيئا آخر سوى منطق الربح، أصبحت تستثمر ،تبيع وتشتري كل شيء وجد فوق الأرض( عقارات، أراضي فلاحية، بحار ، طائرات، أسلحة، أطفال، نساء، مخدرات، هواء، شمس، علوم ونظريات، أديان...) فالبرجوازية هي طبقة مجرمة في نظرنا ، و منحطة الأخلاق، و عديمة الشرف، إن البرجوازية هي طبقة رجعية.
إنه لمن الغباء والمثالية أن نبحث عن أسباب الحروب اللصوصية الحالية في أخلاق أو دين أو جغرافيا الدول الإمبريالية، أو نسقط في مغبة تصديق ما يأتي به الإعلام البرجوازي، بل وجب أن نبحث عن أسباب ما يقع في البناءات التحتية للمصالح الاقتصادية لمجمل الطبقات، لأن المحرك الذي يدفع عجلة التاريخ هو التناقض بين القوى المنتجة وطبيعة علاقات الإنتاج.
إن الامبريالية وبعد استيعابها لدور الوعي الثوري في تهديد مصالحها في العالم جعلت من مهمة تدجين الشعوب وترويضها الأيديولوجي مهمة مركزية وأساسية، حيث استثمرت لهذا الغرض أضعاف ما صرفته وتصرفه على قطاع التسلح، وذلك من خلال وسائل تواصلها في الأجهزة الإعلامية، في المقررات الدراسية، في الفنون والآداب...، في كل مجالات نشر الأفكار، لتصبح الملكية الخاصة والفردانية مقدسة، فالعصر الحالي الذي نعيش فيه يعتبر أكبر عصر للخداع على مر التاريخ.
إن التناقض بين الدول الإمبريالية و الناتج عن اختلال موازين القوى الاقتصادية فيما بينها؛ أي بين مختلف أنواع الاحتكارت يشكل الإطار العام لمختلف التطورات والأحداث السياسية الجارية حاليا، فمن رفعها للعديد من الشعارات الواهية (محاربة الإرهاب، بناء الشرق الأوسط الكبير، محاربة أسلحة الدمار الشامل، الحفاظ على البيئة، نشر الديمقراطية...)، إلى توكيلها لوكلاء في مختلف البلدان، تبقى السمة الأساسية بعد الحرب العالمية الثانية هي إعادة اقتسام العالم اعتمادا على شن الحروب بالوكالة.
"الخاصية الثانية لهذه الحرب العالمية هي أنها حرب موجهة ضد العالم كله، فهي حرب ضد الصديق قبل العدو" (حسقيل قوجمان) و ما تنصيب الحكومات و الرؤساء في العديد من الدول (مصر، ليبيا، تونس، اليمن...) لهو خير دليل على ذلك، و ما الحرب على سوريا سوى التمثل الواضح للعيان لهاته الحرب اللصوصية التي تجري بالشكلين المباشر و بالوكالة في نفس الوقت، و التي كانت ولازالت تفرض على هاته الدول خلق "الوكيل" أو العميل في شخص مختلف التنظيمات المسلحة و التي يتم تدريبها ، تسليحها، ثم إطلاقها للأداء في الزمكان المناسبين، لتنفيذ مبتغياتها اللصوصية (القاعدة، داعش، جبهة النصرة، بوكو حرام، الميليشيات المسلحة في عدد من البلدان الإفريقية...)، بالإضافة لاعتمادها على الأنظمة التبعية (قديمة الولاء) كمناطق ارتكاز للهجوم على الشعوب و نزفها كما هو الشأن بالنسبة للسعودية ، قطر، المغرب، تركيا...، سواء من خلال مشاركة جيوشها في الحروب الامبريالية الرجعية، أو احتضانها للوكلاء، أو تقديم أراضيها كقواعد عسكرية للدول الامبريالية..
إن خريطة الصراع الكوني بين الإمبرياليات يمكن إجمالها عموما في المشهد التالي : هناك روسيا و الصين وحلفائهما من جهة وهناك الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد الأروبي وحلفائهما من جهة ثانية، ففي الطريق إلى إعادة الاقتسام لمناطق النفوذ ــــــ هاته العملية الحتمية و الضرورية ـــــ يتم خلق العديد من الأحداث البينية و التي تهدف إلى إلهاء الشعوب المسحوقة عن الجرائم الحقيقية كتفجير قنبلة في فرنسا، صنع محاولة انقلاب (كما جرى بتركيا) أو نشر أكذوبة معينة كفيروس أو انفلونزا الخنازير، أو استغلال (جنون كرة القدم )...، لكن تبقى الحرب كما في (ليبيا، سوريا،...) هي الشكل السافر للتناقض المحتدم بين هاته الدول، ما أود الإشارة إليه هو أن هذا التناقض الثانوي في شكله التناحري هو الذي يرخي بظلاله على أغلب الأحداث في العالم، فبه تتحدد سياسات البلدان التبعية سواء الداخلية منها أو الخارجية، و به تتحدد كل التطورات و التغيرات في شكل أنظمة سياسية بعينها، فالإمبريالية الأمريكية تحاول فرض سلطتها وفق جموح وطموح رساميلها ما يتناقض و رهانات روسيا أو أسواق الصين، فلنأخذ أي بؤرة حرب كانت في العالم سنجد أن صراع و تطاحن "الأصدقاء" هو الذي يحركها، (أفغانستان، العراق، لبنان، اليمن، سوريا، ليبيا، جورجيا، و في عدد من البلدان الافريقية مثل مالي، الكونغو، الغابون، موريتانيا...) و ما تقسيم السودان سوى نتيجة لهذا الصراع، ففي معمعانه يصبح العالم لعبة يتصارع على امتلاكها طفلين أخوين فإذا لم يقبل الأول عرض الثاني فإنه ينشب الحرب ضده، أو يقايضه بلعبة أخرى في مكان آخر، أو يخضعه بالقوة، فانتزاع ليبيا من البطن الروسي بعد الهجوم الأمريكي أيقظ روسيا لتشدد الخناق و تتشبث بكل قوتها بروسيا (الأسد)، في حرب محمومة أودت بحياة الملايين من الناس، فالخراب الذي يعيشه العالم اليوم من بؤس، و أمراض متفشية، وفقر مدقع، وسلب للحريات السياسية، وبطالة، وانحطاط أخلاقي... مرده إلى سيطرة الطغمة المالية التي تقود الرأسمالية والتي لا يهمها شيء سوى المزيد من ربح تريليونات الدولارات، عموما فهذا التناقض يشكل نقطة ضعف للنظام الرأسمالي كون هذا الأخير لا يمكنه القفز عليه أو تفاديه بأي حال من الأحوال، و في نفس الآن هو نقطة قوة في صالح الشعوب المستغلة (بفتح الغين)، من حيث إنه يشكل الفرصة المناسبة للهجوم على الرأسمالية، باعتبار أن احتدامه يشكل عاملا موضوعيا مساهما لقيام الثورات. لأنه؛ أي التناقض بين الكتل المالية يدفع في اتجاه احتدام التناقض بين العمل والرأسمال كما يجعل من التناقض الموجود بين الأمم المتمدنة السائدة ومئات الملايين من أبناء الشعوب المستعمرة (بفتح الميم) والتابعة في العالم أكثر تطورا ونضوجا، ما يجعل من تجمع هاته التناقضات الثلاث دافعا لتطور حركات التحرر الوطني وتعاظم قوة الحركة الثورية في العالم ببناء أحزاب ثورية قوية والرفع من يقظة الوعي السياسي الطبقي للبروليتاريا والشعوب للقيام بمهامها التاريخية.
حميد دريماخوس
30 شتنبر 2016