Abdelmalek Haouziعبد المالك حوزي
ترعرع شَعر '' شيماء'' بعد حَلـقِه بجامعة مكناس وظهرت الحقيقة
أثـــرت أن أبدأ بقصة ذاك الشيــــخ العجوز الذي ترك حكمته القائلة : " يهطل المطر وتنبت الحقيقة " ، قبل أن أتطرق لقضية الطلبة والطالبات المعتقلين بمكناس . لمعرفة ما إن كان اعتقالــهم فعـــلا جاء على خلفية " حلق شَعر الطفلة شيماء" المُشغلة ــ غصبا عن القانون ـــ من طرف إدارة جامعة مولاي اسماعيل بأحد مقاصف الجامعة بمكناس. أم أن اعتقالهم تعسفيا و محاكمتهم سياسية لا علاقة لها بشعر " شيماء " ولا بسوالف " لونجة " ..؟؟
هي قصة متوارثة عن فلاح عجوز في البادية. أصيب في صباح ما بوعكة صحية لازمته الفراش وكان ذلك مباشرة بعد حرثه لأرضه وتقليبها . فما كان له إلا أن ينادي عن أبنائه السبعة ، وأوصاهم أن يزرعوا قنطار القمح الذي كان قد هيأه . لكن الأبناء وبانشغالهم باللعب أخذوا القمح في وقت متأخر ، وعلى عجل حفروا حفرة وسط الحقل ودفنوه دفعة واحدة ، دون أن يبـــذروه بكل الأرض.
وفي المساء سألهم العجوز : هل بذرتم كل القمح ؟؟
أجابوا بصوت واحد: نعم يا أبتـــــاه .
هز الشيخ رأسه وقال : " سيهطل المطر وتنبت الحقيقة "
إن اعتقال ثمان طلبة " ثلاث إنـــاث وخمس ذكور " بمكناس بدأ بقصة في الواقع . قد تكون انطلاقتها الفعلية كانت مساء الثلاثاء 17 ماي 2016 حين قادت الشقيقة الكبرى للمسماة " شيماء " رفقة غرباء عن الجامعة تهجما على طلبة بباب جامعة مكناس . الشيء الذي تضمنه بلاغ رئاسة الجامعة الذي جاء فيه : "" أن مناوشات بين الضحية وهؤلاء الطلبة قد بدأت... أمام الباب الخارجي للمؤسسة وأسفرت على إصابة أحد الطلبة وشقيقة الضحية التي تم نقلها إلى المستشفى الإقليمي محمد الخامس ...واقتياد النادلة إلى داخل الكلية، حيث تمت دعوة الطلبة إلى “حلقة محاكمة” انتهت بحلق شعرها وحاجبيها وجلدها بمائتي صفعة وإخراجها إلى الشارع المقابل لكلية العلوم..''".
فمباشرة بعد هذا الحدث نشطت حملة واسعة إعلامية وسياسية مسعــــــــورة ، متسلحة بالمثل القائل :" اياك اعني واسمعي يا جارة " . ظاهرها مصبوغ بالدفاع عن الضحية " شيماء " ، وجوهرها يستهدف فصيــــل طلابي بعينه ويطلب رأسه حيا أو ميتا .
وبالموازاة طبعا قامت حملة اعتقالات ومتابعات في صفوف مناضلات و مناضلي النهج الديمقراطي القاعدي بمكناس .
ومن دون الخوض في تفاصيـــــــــــــــــــــــــل كثيرة. وتقيدا بالقاعدة الذهبية في القانون المبنية على كون " المتهم بريء حتى تثبت إدانته " . كان لا بد من انتظار أمطار الخير أو الشر لتنبت الحقيقـــة كاملة .
فبالعودة الى لائحة التهم التي أدانت بها المحكمة الابتدائية لمكناس ، الطلبة والطالبات المعتقلين .سنجد كل أنواع التهم السياسيـــــــة الثقيلة عدى تهمة " حلق شَعر شيماء " .
فمن : ــ حيازة السلاح في ظروف من شأنها الإخـــــــلال بالنظــــام العـــــام
الى : ـــ اقتحام مؤسسة جامعية
ومن : ــ عرقلة سير العمل والدراسة بمرفق عمومي
الى : ــ إتلاف منشآت معدة للمنفعة العامة
الى : ــ إلحاق خسائر مادية بملك الغير
وإلى ـــ الاحتجاز ومحاولة إضرام النار عمـــدا والتهديد بالقتل و باستعمال السلاح .
وعلى إثر هذه التهم الملفقة ، حكمت المحكمة الابتدائية بمكناس بحكم صوري ثقيل جدا ومجحف في حق ثمان طلبة قاعديين تمثل في : أربعيــــــن سنة سجنا نافـــــذة وعشرين مليون غرامة مالية .
و قبل أن يصدر القاضي حكمه الصوري هذا . كان شَعْر البنت شيماء نمى وترعــــرع فوق رأسها ، وانساب زُلالا على جبينها، وتدلى على عينيها . و لم يُحْجَب كقمح العجوز الذي اختفى ولم تُغَطّ سنابله الأرض رغم أمطار الخير.
فالحكم على الشابات والشباب كان سياسيا صِــرفا . والتهم التي كيلت لهم كانت بمثابة أمطار الشــــر التي فضحت اللعبة والمؤامرة وكل دموع التماسيح التي سالت كثيرا على " حلاقة شَعر " شيماء " . وهدفها كان توريط شباب في عمر الزهور، للزج بهم في غياهب السجون. وعبثا كانت تحاول كسر شوكة فصيلهم الطلابــــي .
فهل لا يَزال أحدٌ منا يُصَدق ، بأن الاحكام القاسية التي قضت بها محكمة مكناس ، جاءت لرد الاعتبار لعيون وشَعر" المواطنة " " شيماء " ؟؟
وإذا كان الحكم بأربعيـــــــن سنة سجنا نافـــــذة وفدية مالية تقدر ب 20 مليون سنتم على حلق شَعر بنت الشعب " شيماء". فكيف لنا أن نتخيل العقوبة المفترضة ضد ناهبي ومفترسي الثروة والوطن ، الذين ينعمون بالحرية التامة والامان الشخصي ؟؟
وإذا صدقنا أن الحكم كان على خلفية " حلق شعر شيماء ". هل يزيدنا هذا تصديقا ؛بأن الدولة في المغرب بدأت حقا تدافع وتعتني ب " المواطنات والمواطنين " البسطاء وتراعي أبسط حقوقهم ؟؟. ولم تعد تعتبرهم مجرد أصـــــوات انتخابية ورعايا أوفياء ــ كالكــــلاب تماما ـــ يعيشون بلا حقــــــــوق ولا كـــــــرامة ولا أنياب ؟؟
نعم نَبتت الحقيقة كاملة في ملف المعتقلين السياسيين بمكناس . وأزالت الغشاوة عن بعض العيون وتبين أن مناضلات ومناضلي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بمكناس ؛ حوكموا ويحاكمون بتهم سياسيـــــــة صرفـــــة انتقامية وصورية لا علاقة لها بشَعر وحاجب بنت الشعب " شيماء " .
فمع هكذا أحكام صورية ، قد يكون مفهوما جدا ارتياح وزير العـــدل وكل القضاة الذين يلفون ويتملقـــون لحزب " العدالة والتنمية ". لكن المبهم وغير المفهوم هو سكـــــــوت الفاعل/ة الحقوقي/ة وكل الهيئات الحقوقية التي تدعي المطالبة ب" المحاكمات العادلة " وتسكت عن هذه " المحاكــــــم السريــــة " ** التي تـُدَار بشكل علني؛ لتصفد أبناء الشعب وتزج بهم ظلما وعدوانا لعشرات السنين في سجون الذل والعار .
اليوم وبعدما تبين بأن التهم سياسية وملفقة ضد هؤلاء الشابات و الشباب. لم يعد هناك من مجال للمطالبة ب" المحاكمة العادلة ".
فالمطلوب من رئيس محكمة الاستئناف بمكناس أن يُحَكـِّـم الضمير الإنساني وهو يراجع هذا الحكم الكارثة . ويغلق أذنيه كي لا يتأثر بتعليمات وزير العدل الإخونجي وكل الضغوطات الانتقامية . ويقوم بإعمال " استقلاليـــــة القضاء " . فالبــراءة هي الأصـــل وهي الفصل في هذا الحكم العبثي الذي صدر عن المحكمة الابتدائية بمكناس ، والذي يزيد سمعة القضاء المنحاز ببلادنا تشوها .
ــ عبدالمالك حوزي ــ
** ـــــــــ المحاكم السرية : يرجع عهدها الى القرون الوسطى حين كان القضاة يجتمعون في كهوف ، دون أن يعرف أحدهم الآخر، ويبحثون في القضايا التي تصلهم أخبارها. ويقضون فيها بأحكام يقسمون على تنفيذها ولو بالقتـــل . في مغربنا وفي غياب " استقلالية القضاء ـــ هناك ما يعرف ب" القضاء الموازي" الذي يمارس " ع المكشوف بمباني المحاكم الرسمية . ويعتمد على استجوابات وتقارير وتعليمات مخابراتية غير رسميـــة . ويحكم فيها القاضي باسم جلالة الملك .