لا لــتــعــمــيــق الــتــفــســخ الــنــظــري.. الــوضــوح هــو الــحــقــيــقــة.

لا لــتــعــمــيــق الــتــفــســخ الــنــظــري.. الــوضــوح هــو الــحــقــيــقــة.

- تـفـاعـلا مـع مـنـشـور الـرفـيـق "علي شنيفخ" –
كتبه الرفيق: Omar Alkindi
عندما رفع بريجنيف سنة 1964 شعاره الشهير: "العودة الى اللينينية !" كان الشيوعيون الصينيون أصحاب أدق رد عليه بقولهم أن بريجينيف قد عاد إلى اللينينية ليطعنها في القلب، ليوجه لها الضربة القاضية بعد طعنات خروتشوف المتوالية. ويبدو أن القاعديين يلقون نفس المعاملة كلما تمت "العودة إليهم" في النقاش والدراسة، المزيد من التشويه والتحوير ينضاف الى إرث الطروحات التحريفية سنوات الثمانينات والتسعينيات. ولعل الرفيق علي لم يشأ تفويت الفرصة للانخراط باهتمام وجدية في هذه العملية من إعادة انتاج الضبابية وتكريس التفسخ النظري صلب الحركة الشيوعية، والتي تندرج في مسار مضاد للنهج السليم في التعاطي مع اشكالاتها العالقة. لأن هنالك فرقا عميقا ما بين النقد والنقد الذاتي والتقييم ومساءلة التجربة واستخلاص الدروس وتوخي النضج من جهة، وما بين اعادة تدوير - يراها صاحبها مفيدة ايكولوجيا - لأفكار قديمة تشكل هي نفسها جزءا من وضعية التفسخ والضبابية والأزمة بصورة عامة. فلا يعدو المشكل في مضمونها وحسب، وإنما أيضا في شكلها "الجديد" و"الناضج": الخزعبلات المقدسة.
فلغة "المواقع" - هجوم "موقع" / "مواقع" على "موقع" - التي يود الرفيق علي أن يستعيض عبرها عن القراءة الكرونولوجية / التاريخية للحركة الطلابية بقراءة جغرافية، هي لغة طمس الحدود والاختلافات الفكرية والسياسية، فتصير الحركة الطلابية ليست وحدة النقيضين بين النهج الديمقراطي والبيروقراطي، بل هي مجموع المواقع الجامعية. فتصير فاس تعتدي على مراكش ومكناس تسنتجد بوجدة وتطوان تتحالف مع أكادير... وفقط وبالحصر، على أرضية رفض القراءة الكرونولوجية - التي هي منهج الأغبياء حسب تعبير الرفيق علي - وقبول القراءة الجغرافية (منهج الأذكياء) يمكن بالفعل النظر الى صراعات الحركة الطلابية كصراعات على الحدود بين القبائل في العصور الوسطى. فمشكلة هذا التشبيه الهزلي هو أنه ينجم عن فكرة جدية في منهج من يقوم بالتشبيه: هي فكرة الحركة الطلابية بما هي مجموع مواقعها النضالية. ولكن ما أقدم هذا المنطق فقد طرح منذ زمن ذاته في لغة "الفصائل التقدمية"، وكأن قدر الحركة الطلابية المغربية أن تختزل دائما في ذرات على صيغة منتهى الجموع.
لأنه لو تخلى الرفيق علي عن هذه القراءة الجغرافية (منهج الأذكياء) للحركة الطلابية، وجب عليه أن ينظر إلى الصراع في حقيقته كصراع سياسي. ولكن الصعوبة تكمن في أن النظر إلى الصراع يستلزم النظر إلى أطرافه. وبما أن حقله وموضوع النقاش هو الحركة الطلابية فإن هذا يضع الرفيق أمام ثلاث خيارات لا رابع لها: إما أنه صراع داخل النهج الديموقراطي، إما أنه صراع بين النهج الديمقراطي والنهج البيروقراطي، وإما أنه صراع ما بين الحركة الطلابية وتجليات الحظر العملي على أوطم. بالنسبة للخيار الثالث فهو ملغى سلفا بما أنه يتحدث عن "مصلحة الحركة الطلابية التي تذوب فيها كل الرؤى وترسم حدود كل الاختلافات". فإما أن يتحقق منام "الكل قاعدي والقاعديون في صراع مع بعضهم البعض بتدخل أياد خارجية" أو أن الصراع بين النهج الديمقراطي القاعدي من جهة وأحد أطياف التحريفية من جهة أخرى. ما هي الطريقة التي يحسم بها الرفيق علي الحيرة بين الخيارين الأول والثاني إذن؟ إنها البداهة. فعند الحديث عن "القاعديين عموما وظهر المهراز خصوصا...." يحول "القاعديين بظهر المهراز..." إلى بديهية وقوعها معلوم، وكيفها مجهول، والإيمان بها واجب، والسؤال عنها بدعة: منطق البداهة منطق سلطوي، قمعي، ديني. يغلق باب النقاش ويكبل العقل، به يكمل الرفيق علي فعلا فسيفساء العصور الوسطى، فيستعير من الاقطاع هذه المرة منهج ممارسته الايديولوجية بعد جغرافيته السياسية: صراع المواقع.
المشكلة هي أن الرفيق علي، بدل أن يبني على أساس البديهية أفكارا ينطلق بعد ذلك مباشرة في عملية تأكيد هجاسي للبديهية وكأنه هو نفسه غير مقتنع بها. ربما لعلمه العميق بـ"التاريخ" الذي أشار بحق أن ثوار آخر الليل يجهلونه: وراء الحديث عن وجهة نظر 96 مضمون فكري وسياسي فعلي ولدته انعطافات التسعينات التي يعرفها الرفيق أتم المعرفة. وقد قيل عن الرازي يوما: هذا الذي لديه ألف دليل على وجود الله، لا بد وأنه لديه ألف شك في وجود الله. ومثلها الشكوك التي يعمل الرفيق على طردها من عقول القواعد المناضلة والمتعاطفين الذين دوخهم هذا الموضوع فاستكانوا للبديهية. ولكن هذا يستدعي عملا جديا لا حجة سخيفة من قبيل: عدم النظر إلى نضالات وتضحيات المناضلين في بعض المواقع إلا كرقم من الأرقام مسبوقة بوجهة نظر أو تيار أو ورقة. لأن هذه الحجة ستؤدي إلى إنكار وجود الكراس 84 والكلمة الممانعة 89 وتحريفات فجر الثمانينات أيضا، فهل الفرق بين الإشارة إلى هذه التيارات التحريفية بهذه الأسماء، وبين الإشارة إلى أخرى في التسعينات بوجهة نظر 94 و96 و97. فهل المشكلة، كل المشكلة، هي في الأرقام والتسميات أم في المضمون الفكري والسياسي لوجهة نظر / تيار / ورقة تحريفية معينة؟ هل انتهى الصراع الطبقي سنة 1990 ولم يعد النهج الديمقراطي القاعدي يفرخ أي اتجاهات تحريفية؟ إن هذه النظرة تعكس ذلك الاشمئزاز البرجوازي الصغير من فترة التسعينات والحنين الى الثمانينات باعتبارها "الجيل الذهبي" للقاعديين، والى السبعينات قبلها باعتبارها "الجيل الذهبي" للحركة الشيوعية برمتها. وهو نفسه المنطق الديني الذي يرى الأقدم في الزمان الأقرب إلى روح الدين وتعاليم الإله، أما الجديد، اللاحق، المستحدث، فهو انذار بآخر الزمان وقرب يوم البعث والحساب: في الستينات والسبعينات صراع طبقي، وفي الثمانينات بعضه، وفي التسعينات ليس هنالك سوى "الصراعات الذاتية" و"التشويش" و"اللغو المدمر" و"النمائم" وغير ذلك من مبررات العجز والفتور.
وإذا كان الرفيق علي يرفض التحديد "الرقمي" / "الكرونولوجي" للحركة الطلابية، فأحرى به أن يرفض تحديدها "الحيواني": شتيمة "الفئران" التي انتقلت من الجنبات والهوامش إلى النقاش العلني حتى على صفحات الفيسبوك. ولعل الرفيق يعلم جيدا ليس فحسب معنى الشتائم في السياسة، بل وكذلك الانتقال إلى الاعتداء الجسدي كغطاء عن العجز الذي ولد الشتائم نفسها. فكان حريا به أن يدين هذا الفعل ويعلي راية النقاش الفكري والسياسي ورفع وعي الجماهير الطلابية لما فيه مصلحة الحركة وتقدمها أماما. ولكنه سلك طريق الدفاع عن هذه الممارسة الرجعية تحت نظرية المؤامرة وتبخيس تضحيات المناضلين ونضالات الجماهير. والتي لو كانت فعلا موجودة، لجرى استبعاد آيت الجيد بنعيسى من دائرة شهداء الحركة الطلابية لأنه انتمى سياسيا وتنظيميا إلى "الكلمة الممانعة" ذات التأثير المدمر على النهج الديمقراطي القاعدي. وفي هذه النقطة يجب أن نكون واضحين: هذا ليس نضجا ولا تعقلا في التعاطي مع الأمور، إنه هراء محض.
أما الواقع الذي فسر به الرفيق علي ظاهرة "حرب الأرقام والأوراق" هاته، فهو أزمة الحركة الشيوعية. ولكنه يحدد علاقتها بهذه الأزمة تحديدا هو نفسه جزء منها، أو قل إنه عامل أساسي في إعادة انتاجها وتكريسها. غياب مشروع متكامل يؤدي إلى بحث الماركسيين عن الشرعية داخل القاعديين. وهذا معناه أن "صراعات القاعديين" صراعات ذاتية لامبدئية انعكاس للصراعات الذاتية اللامبدئية خارج الجامعة، والتي هي نتيجة أزمة الوجود وغياب المشروع المتكامل. والسؤال هو كيف نبني هذا المشروع المتكامل؟ أبمعزل عن فضح التحريفية ونقد طروحاتها نقدا علميا هي مهام في مسار محاربة التفسخ النظري والضبابية السياسية داخل الحركة الشيوعية المغربية؟ وإذا كان الرفيق يرى الدفاع عن القاعديين وفضح التحريفية بحثا عن موطئ قدم والظهور بمظهر المدافع عن التجربة، فهذا شأنه، فربما كانت هذه هي أصلا، أهدافه. ولكن الصراع في مضمونه الطبقي مستقل عن الكيفية التي تعيه بها أطرافه، والسؤال الحارق هو عن الوعي العلمي بهذا الصراع وموقع كل طرف فيه. إن تحريم الصراع الإيديولوجي والسياسي هو تعميق للتفسخ النظري ولأزمة الحركة الشيوعية، حتى لو من يقوم بذلك يتجه لأهداف تبدو "شخصية" أو "ذاتية" لن نقوم إطلاقا بتفسير مقال الرفيق علي عبرها.
والدليل هو أن مفهوم الرفيق علي للاستقلالية التنظيمية التي تسقط بمجرد وجود تيار ماركسي لينيني، ليس إلا مفهوم وجهة نظر 96 التي ينكر الرفيق وجودها انكارا تاما، ومثلها مقولة "الاستقلالية السياسية" طويلة العمر القادمة من ثنايا "أي مصير لأي تردد". إن حصيلة هذه الاستقلالية هي: لا تنتقدوا "القاعديين بظهر المهراز"، لا تقولوا أنها تحريفية 96، لا تصارعوا أفكارها ايديولوجيا، وان فعلتم فليس ذلك إلا تغطية عن العجز وغياب المشروع والبحث عن موطئ قدم وغير ذلك، بل وخرق للاستقلالية التنظيمية التي أنتم "أشد المدافعين عنها". فإذا كان هذا الصراع كله يخاض لهذه الأهداف الخسيسة فحسب لماذا انخرط فيه الرفيق علي؟ أليس الدفاع - كما الهجوم نفسه - يخاض في إطار هذا الصراع وهذا الواقع؟ أليس خلط الأوراق بين النهج الديمقراطي القاعدي من جهة، ووجهة نظر 94 من جهة أخرى في هذا الإطار نفسه من "منهج الاغبياء" ؟
طرحت هذا السؤال لأنه حيرتني كثيرا مشاركة الرفيق علي لمنشور الرفيق ابراهيم الرحاوي ينتقد فيه "بقايا 94" و"تحريفية 94" وغير ذلك من أفكار معهودة لكنها صارت تبدو اليوم ناضجة بالمئات من الأميال في مواجهة اخراج شتيمة "الفئران" إلى العلن. فتعجبت كيف يمكن لمن يدعو إلى منهج الأذكياء أن يشجع منهج الأغبياء. وكيف لا يكون الأمر غير ذلك وقد صار الانسجام مع الذات مطلبا عزيز المنال لدى العديد من مناضلي الحركة الشيوعية، فلنكن واضحين.

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا