53 عام على اغتيال القائد التقدمي "باتريس لومومبا"


يصادف اليوم مرور 53 عام على اغتيال القائد التقدمي "باتريس لومومبا" أول رئيس وزراء منتخب في تاريخ الكونغو ، قتله البلجيكيون لتأثيره الكبير على مصالحهم و ذلك بعد عام واحد على انتخابه و بطريقة لا تخلو من الوحشية و الفظاعة و بحضور جنود سويديين من منظمة الامم المتحدة .
و قد اعدم و رفاقه رميا بالرصاص ، ثم قطعت جثثهم الطاهرة الى قطع صغيرة و لإخفاء الجريمة ذوبت الجثث بحمض "الكبريتيك".
و قد اعترف القاتل "جيراد سويت" و هو ضابط بلجيكي سابق في وقت قريب بفعله الشنيع من على شاشة التلفزيون و كيف انه كان يحتفظ باثنان من اسنان "لومومبا" كتذكار قبل ان يرميهما في بحر الشمال .
المجد و الخلود للقائد الأممي "باتريس لومومبا " و لرفاقه
ولد باتريس ايمري لومومبا عام 1925 في قرية كاتاتا كوركومبي في إقليم ستانليفيل (كيسانغاني أو كاساي) بمقاطعة الكونغو الشرقية، وينتمي إلى قبيلة باتيليلا وهي جزء من قبيلة المونغو.
وهو من أبناء النخبة الكونغولية التي حظيت بالتعليم في فترة الاستعمار البلجيكي حيث تلقى التعليم الأولي بالمدارس التبشيرية، ثم التحق بمدرسة لتدريب عمال البريد في ليوبولدفيل، وفي التاسعة عشرة من عمره عمل موظفا للبريد بمدينة ستانلي فيل وشهد خلالها بأم عينه الفصل العنصري ضد السود. في الوقت نفسه درس القانون والاقتصاد واجتاز عدة دورات دراسية، وعقد خلال عمله علاقات وثيقة مع القبائل الإفريقية المختلفة.
بعد 11 عاما أتهم بالسرقة فسجن، وبعد خروجه عمل في عدة أعمال لإعالة أسرته.

حادثة حفل الاستقلال
حدثت أزمة سياسية بين الكونغو وبلجيكا يوم الاستقلال، ففي 30 يونيو 1960 حضر ملك بلجيكا بودوان ورئيس وزرائه وكذلك من الدول الافريقية و بعض الشخصيات الاوربية إلى الكونفو لحفل إعلان الاستقلال.
تقدم رئيس وزراء البلجيك لألقاء كلمتة فمنعه لومومبا بحجة ان اسمه غير وارد في قائمة المتكلمين فأمتعض رئيس الجمهورية كازا فوبو من هذا التصرف، فقام ملك بلجيكا وألقى كلمة قال فيها "ان بلجيكا ضحت بشبابها واموالها الطائلة من اجل تعليم الشعب الكونغولي ورفع مستوى اقتصاده، وحذر الوطنيين الكونغوليين بعدم اتخاذ إجراءات متسرعة أو غير مدورسة تؤدي إلى تدمير المدنية التي خلفها البلجيكيون لهم".
فأغضب ذلك الكونغوليين واعتبروا حديثه مهينا ويفتقر إلى اللياقة، فقام لومومبا واتجه إلى المنصة فقاطع الملك البلجيكي بخطاب أطلق عليه خطاب "الدموع والدم والنار" قائلا :"أيها المناضلون من أجل الاستقلال وأنتم اليوم منتصرون، أتذكرون السخرية والعبودية التي فرضها علينا المستعمر؟ أتذكرون إهانتنا وصفعنا طويلا لمجرد أننا زنوج في نظره؟ لقد استغلوا أرضنا، ونهبوا ثرواتنا، وكان ذلك بحجج قانونية.قانون وضعه الرجل الأبيض منحازا انحيازا كاملا ضد الرجل الأسود.
لقد تعرضنا للرصاص والسجون وذلك لمجرد أننا نسعى للحفاظ على كرامتنا كبشر".
وهنا ساد صمت مطبق ما عدا همس بين ملك البلجيك ورئيس وزرائه الذين عزموا على قتل لومومبا، فبعد ثلاثة أيام فقط بعد هذه الحادثة دخل جيش بلجيكي الى الكونغو عن طريق مصب نهر زائير ووصل الى العاصمة كينشاسا وفي نيته تنفيذ خطة مبيتة ضد لومومبا.
محاولة الفرار و الإغتيال :
بعد عزل لومومبا وتجريده من كل صلاحياته وإقالة الحكومة، رغم أن مجلس الشيوخ صوت بأغلبية كبيرة ضد القرار، وتم تشكيل حكومة مؤقتة برئاسة جوزيف إليو الموالي لبلجيكا.
ادرك لومومبا انه عرضة للاغتيال في اية لحظة حتى أنه نقل عنه قوله "إذا مت غداً فسيكون السبب أن أبيض قد سلح أسود. مات لومومبا شاباً في سبيل الدفاع عن أمة عصرية"، فطلب الحماية والحراسة من قوات هيئة الامم ولكنها تجاهلت طلبه، وبقي وحيداً في المعركة.فاضطر لومومبا الى اللجوء الى معقل انصاره في شمال البلاد قرب الغابة الممطرة ولكن العقيد موبوتو رئيس هيئة الأركان الذي كان حليفاً للومومبا سابقاً -وتحت التأثير القوي لسفير بلجيكا في الكونغو انذاك- قد انقلب ضده، واتهمه أمام كاميرات التلفزيون بانه متعاطف بل مؤيد للشيوعية، كان موبوتو يريد بذلك التاييد والدعم من الولايات المتحدة.

إلإعتقال
حاول لومومبا الهرب من معتقله لكن تم القبض عليه في الطريق مع اثنين من أهم رفاقه هما: نائب رئيس مجلس الشيوخ جوزيف أوكيتو، ووزير الإعلام موريس موبولو، بعد ذلك امر موبوتو بسجن لومومبا ثم سلمه الى عدوه تشومبي - الذي أعلن استقلال إقليم كاتانغا- بدل تسليمه الى الحكومة الجديدة وتشومبي سلمه فوراً الى الجيش البلجيكي ونقلوا إلى سجن بلجيكي في سيارة جيب يقودها ضابط بلجيكي.
قام أنصار لومومبا بحرب ضد موبوتو فاحتلوا بسرعة ثلثي الكونغو لكن سيسيسيكو هزمهم بفضل الدعم الغربي واستولى على السلطة عام 1965 في انقلاب عسكري هو الأول من نوعه في أفريقيا في ذلك الوقت.
الاغتيال
[1] في تاريخ 17 يناير 1961 حوالي الساعة العاشرة ليلاً، دُفع بالسجناء-لومومبا ورفاقه- في سيارة من الموكب المؤلف من أربع سيارات أمريكية وسيارتي جيب.
في السيارات الثلاث الأولى كان الرئيس تشومبي وعدة وزراء من حكومة كاتانغا، وفي السيارة الرابعة اللفتننت البلجيكي غات ويقودها المفوض فرشير. والسجناء في الخلف مقيدون بالسلاسل، وفي السيارة الخامسة عناصر من الشرطة العسكرية. انعطف الموكب نحو اليمين تجاه مفرق الطريق القريب، وبعد عدة مئات من الأمتار، أخذ مساراً ضيقاً إلى اليسار، يؤدي إلى الطريق الذي يصل لوانو باليزابتفيل. انطلقت السيارات الأمريكية بسرعة، ووصلوا إلى مفترق طرق، وتابعوا في درب إلى اليمين تؤدي إلى موادينغوشا المشهورة بشلالاتها، وهي منطقة مستنقعية وموطن لأسراب الطيور. وعلى بعد ثلاثمائة متر منها، وصل الموكب إلى فسحة في الأراضي المشجرة. كانت الساعة العاشرة وخمسة وأربعين دقيقة ليلاً؛ استغرقت مسافة الخمسين كيلومتراً أقل من 45 دقيقة.
كانت البقعة منارة بالأضواء الأمامية لسيارة الشرطة التي كان يسوقها المفوض فرشير، والتي وصلت أولاً. كانوا ينتظرون بقية الموكب. جرى اختيار تسعة من رجال الشرطة إضافة إلى الجنود التسعة للتنفيذ. كانت هناك شجرة مهيبة ترتفع إلى 10 أمتار ويبلغ قطرها 80 سنتيمتراً. لم يجد الجنود كثيراً من المشقة في حفر القبر لأن التربة كانت رملية ومفككة. خرج الجميع من سياراتهم وانضموا إلى الشرطة، ما عدا السجناء. تبادل اللفتننت غات بضع كلمات مع وزراء كاتانغا الذين كانوا واقفين أمام القبر، كانوا في مزاج جيد وأطلقوا عدة نكات. كان أحدهم عصبياً يدخن السيجارة تلو الأخرى.
أُخرج السجناء من السيارة. كانوا حفاة لا يرتدون سوى بناطيلهم وستراتهم. أزال فرشير قيودهم، وسار وراء لومومبا الذي سأله: ستقتلوننا، أليس كذلك؟ رد فرشير ببساطة: نعم. تقبل لومومبا بجرأة إعلان موته الوشيك. وقف السجناء الثلاثة على الممر يحيط بهم الجنود ورجال الشرطة، كانوا قد تحملوا الضرب في الساعات السابقة. أخبرهم فرشير بأنهم سيطلقون عليهم الرصاص، وأعطاهم الوقت ليتلوا صلواتهم. لومومبا رفض العرض. في تلك الأثناء، استعدت فرقة إطلاق النار الأولى المكونة من جندين يحملان بندقيتين وشرطيين برشاشين، ويبدو أن أحداً ترنم بلحن محلي.
أخذ فرشير جوزف أُكيت إلى الشجرة، وأوقف عندها. قال أُكيت: أريد أن تعتنوا بزوجتي وأولادي في ليُبُلدفيل. أجابه: نحن في كتنغا ولسنا في ليو. اتكأ أُكيت على الشجرة ووجهه نحو فرقة القتل المستعدة على بعد 4 أمتار. وانهمر وابل قصير من الرصاص، سقط على أثره نائب رئيس مجلس الشيوخ السابق ميتاً. وجاء دور موريس مُبُل، أُسند إلى الشجرة، وكانت جولة جديدة من الرصاص من فرقة أخرى أسقطته أرضاَ. وأخيراً أقتيد لومومبا إلى طريق القبر، كان صامتاً مذهولاً تماماً وعيناه زائغتان، ولم يبد أية مقاومة، كان يرتجف، واجه زمرة القتل الثالثة ووابل هائل من الرصاص، وأصبح جسد رئيس الوزراء السابق كالغربال لكثرة ثقوب الرصاص.
بعد التنفيذ، كانت الأرض قد امتلأت بنحو نصف كيلوغرام من الرصاصات الفارغة. بعد سبع وعشرين سنة، كانت الشجرة لا تزال مثقبة بالرصاص. أنجزت العملية كلها بحوالي خمس عشرة دقيقة .
وتم التخلص نهائيا من الجثث بعد أربعة أيام بتقطيعها إلى قطع صغيرة وإذابتها في حمض الكبريتيك. ونفذ هذه المهمة ضابط شرطة بلجيكي اسمه جيرارد سويت، وكان الحمض في شاحنة مملوكة لشركة تعدين بلجيكية. وقد اعترف سويت بذلك في لقاء تلفزيوني أجري معه عام 1999، وقال إنه احتفظ باثنين من أسنان لومومبا كـ"تذكار" لسنوات عدة، ثم تخلص منهما بإلقائهما في بحر الشمال.
قتله البلجيكيون في يناير 1961 بعد سنة واحدة من توليه الحكم لتأثيره على مصالحهم في الكونغو

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا