معركة الوعي والجوع تدق جدران الشهادة
سعيد أحنصال
الحوار المتمدن-العدد: 4884 - 2015 / 8 / 1 - 16:32
عدا عن الوقفات الاحتجاجية الأربع بمدن وبلدات "المغرب غير النافع" بالريش، والريصاني، وبني تجيت، وتنجداد التي نظمها مناضلوا الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وعائلات المعتقلين السياسيين بسجن "تولال-2" / غوانتنامو المغرب، تضامنا مع رفاقهم وأبنائهم الثمانية المضربين عن الطعام (وعن الماء والسكر فيما بعد) منذ 30 يونيو 2015، فإن الأجواء يلفها صمتٌ مخزٍ من قبل السياسيين، والحقوقيين، والإعلاميين، والمثقفين، الذين أضربوا بدورهم عن الكلام وصاموا عن التضامن مع مناضلي الحركة الطلابية وفصيل النهج الديمقراطي القاعدي بموقع مكناس الصامد، فلا بلاغا أو بيانا، مقالا أو تصريحا، تنديدا أو شجبا، قد صدر عنهم، هم الذين تفيض "إنسانيتهم" ومشاعرهم مرهفة الإحساس كلما مسّ سوءٌ أحد كلاب الرجعية الشوفينية أو الظلامية، كما ويزعقون إستنكارا إذا تعلق الامر بإحدى جماعات الفاشية الدينية بما يخدم تحالف العدوان الثلاثي -الإمبريالي الصهيوني الرجعي العربي- على البلدان العربية المستعمَرة ونصف المستعمَرة. فـ "كونية" و "شمولية" مرجعيتهم "الحقوقية" الليبرالية البرجوازية تتسع وتشمل كل زبالة الإضطهاد والاستثمار آنفة الذكر، إلا الماركسيين-اللينينيين فإنها تضيق عليهم بما رحبت لأعدائهم وخصومهم الطبقيين من كل لون وصنف.
لكن الأمهات لم ينتظرن أحداً من هؤلاء، ولم يقرأن الشكوك التي يبثها المرتعبون من سير التاريخ ومن تقدم المعركة وما تجتازه من خطوات تصعيدية، حملن القضية على عاتقهن، وانطلقن عواصفا في وجوه من أحرقوا شغاف قلوبهن في فلذات أكبادهن. ولسان حالهن يقول ما قالته "أم سعد، الشعب والمدرسة" لابن عمها الذي بالكاد يتعرّفُ طرح الأسئلة فيما ابنها ورفاقه يعيشون الأجوبة، وينتظر سماع الذي يأتي ولا يأتي من المذياع في الوقت نفسه الذي يصنع فيه ابنها هي الأخبار كلها: "..لماذا تعتقدون أن سَعد هو المحبوس؟ محبوس لأنه لم يوقّع ورقة تقول بأنه آدمي.. آدمي؟ من منكم آدمي؟ كلكم وقّعتم هذه الأوراق بطريقة أو بأخرى ومع ذلك فأنتم محبوسون..". أو "أم رجب اسماعيل" –في أحد أعمال منيف- التي كانت تنهر باقي الأمهات إذا أظهرن الضعف أو ذرفن الدموع أثناء زيارة أبنائهن المعتقلين، قائلةً ان الأم يجب أن تكون سنداً لابنها، وأن انهيارها أمامه أقسى عليهِ من كرابيج الجلادين نفسها.
هنا ينكشف العنصر النقيض والإيجابي للموضوع كما تبين إحدى مقولات المادية الجدلية، فكل شكل من أشكال الحركة إلا ويحتوي في ذاته على تناقضه الخاص. وبدون هذا التناقض لا يمكن الحديث عن حركة.
يجتذب الإعتقال السياسي أهالي المعتقلين وأُسرهم، زملائهم وأصدقائهم إلى ممارسة السياسة من موقع نقيض، ويزج بهم في غمرة النضال الطبقي حيث يتعرّفون بتجربتهم الخاصة وبفطرتهم السليمة ألف-باء الكفاح ضد أجهزة الدولة الرأسمالية التبعية من القضاء والبوليس وإدارة السجون وحرسها والوزارات الوصية عليها...إلخ، بما يساهم في تنامي وانتشار الحركة الجماهيرية واتساع نطاق نضالها وتغلغلها. وهو إذ يفعل ذلك، فإنه في الآن نفسه يعري ويفضح أعداء الشعب وأعداء التحرر الوطني والطبقي، أولئك المتسوّلون على أعتاب المنظمات الدولية والمؤسسات "الشرعية" الحكومية، الذين يتآمرون ضد المعتقلين السياسيين بأساليب شتى، بطيبة خاطر ساذجة أو بحسن نية سمجة، أمثال "المختار" الذي يصوره غسان كنفاني –في العمل السابق- ذليلا حقيرا إذ يحاول خنق أنفاس المقاومة وإخماد جمرتها المتقدة بدعوة السجناء لـ"لتعقل" وتوقيع تعهد يلتزمون فيه أن يكونوا "أوادم"، فيقابل من لدنهم بالسخرية والإزدراء والابتسام العريض: "شو يعني أوادم؟"، "أوادم يعني قاعدين وعاقلين؟"، "يعني ناكل كف ونقول شكرا؟"،... أو أولئك الذين يحمّلون المعتقلين السياسيين جريرة كل ما جرى، فلو لم تفعلوا كذا لما وقع كذا، ليخلصوا إلى نتيجة ضمنية بلا جدوى النضال أمام عدو متفوق ! فنضال الجماهير هو سبب عنف الدولة وليس الطبيعة الدموية للنظام الرجعي القمعي القائم، الذي لا يمكن أن يضمن استمراريته بغير البطش والتنكيل بحركة الجماهير وتعبيراتها السياسية حتى في بعض فئاتها الطبقية الإصلاحية والرجعية التي لا تشكل خطرا فعليا عليه. وهم بذلك أشبه ما يكونون باليمين البرجوازي الذي يحمّل المقاومة الوطنية الفلسطينية واللبنانية مسؤولية اجتياح "اسرائيل" لبيروت واحتلالها قسما عريضا من أراضي لبنان عام 1982، فيقلب النتيجة سببا ويحوّل السبب نتيجة بما يدين الضحية ويبرأ الجلاد ويرفع الكلفة عن النفس إذ يعفيها من اتخاذ موقف سياسي وتحديد موقع اصطفاف ضمن الصراع الناشب بين القوى الثورية والقوى المضادة للثورة.
إن ذنب رفاق الشهيدين ساسيوي والحسناوي بموقع مكناس الصامد، جريمتهم التي لا تغتفر من منظور القوى الإصلاحية وأذيالها التحريفية، أنهم خرقوا الإجماع وشقوا الصف بنهج خيار المواجهة صيفا. كأنما الصراع الطبقي ينتهي ويجب أن ينتهي بانتهاء الموسم الجامعي ليدخل في زمن العطالة بانتظار الدخول الجامعي القادم !! ولِيُخْفُوا خيانتهم وفرارهم بجلودهم إبان المعركة إلى شواطئ الاستجمام ومخيمات التدجين يتزيّون ببعض المفردات العسكرية؛ "استراحة محارب" ! فمتى كان في نضال الثوريين استراحة بهذا المعنى يا سادة؟ وأما أمُّ الكبائر التي اقترفها الرفاق بلا تردد فهي تجاوزهم لهذه القوى وتلك الأطراف فيما يتعلّق بالموقف العلمي من القوى الرجعية الظلامية والشوفينية، ليس على صعيد التحديد النظري لطبيعتها فقط والذي يميزهم عن باقي الزمر التحريفية، بل على صعيد المواجهة الميدانية ضدها وهزمها أمام الجماهير بكل أساليب ومختلف أشكال الصراع الطبقي.
أفئن استشهد سفيان أو اعتقل تُشرّعُ الأبواب أمام القوى الشوفينية الرجعية من جديد؟
أفئن استشهد أهموش أو اعتقل يُسمح للقوى الظلامية الرجعية بممارسة الشعوذة والدجل من داخل الحرم الجامعي؟
أفئن استشهد زهير أو اعتقل تعودُ الأطراف التحريفية لنشر أضاليلها وتخريفاتها في صفوف الحركة الطلابية؟
أفئن استشهد السراطي أو اعتقل تجتمع القوى الإصلاحية لتنظيم مواسمها الانتخابية الفولكلورية وتُميّع الساحة؟
كلا وألف كلا. لا يفكرنّ أحد بهذا المذهب التافه. فإن للساحة فرسانها وحراسها وقادتها فكرا وممارسة، ولن تنتكس أبدا راية الماركسية-اللينينية التي عمّدتها دماء الشهداء بالدماء، وكما هزمنا الفاشية مرةً سنهزمها مرة أخرى. وما النصر إلا صمود ساعة.
سعيد أحنصال
الحوار المتمدن-العدد: 4884 - 2015 / 8 / 1 - 16:32
عدا عن الوقفات الاحتجاجية الأربع بمدن وبلدات "المغرب غير النافع" بالريش، والريصاني، وبني تجيت، وتنجداد التي نظمها مناضلوا الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وعائلات المعتقلين السياسيين بسجن "تولال-2" / غوانتنامو المغرب، تضامنا مع رفاقهم وأبنائهم الثمانية المضربين عن الطعام (وعن الماء والسكر فيما بعد) منذ 30 يونيو 2015، فإن الأجواء يلفها صمتٌ مخزٍ من قبل السياسيين، والحقوقيين، والإعلاميين، والمثقفين، الذين أضربوا بدورهم عن الكلام وصاموا عن التضامن مع مناضلي الحركة الطلابية وفصيل النهج الديمقراطي القاعدي بموقع مكناس الصامد، فلا بلاغا أو بيانا، مقالا أو تصريحا، تنديدا أو شجبا، قد صدر عنهم، هم الذين تفيض "إنسانيتهم" ومشاعرهم مرهفة الإحساس كلما مسّ سوءٌ أحد كلاب الرجعية الشوفينية أو الظلامية، كما ويزعقون إستنكارا إذا تعلق الامر بإحدى جماعات الفاشية الدينية بما يخدم تحالف العدوان الثلاثي -الإمبريالي الصهيوني الرجعي العربي- على البلدان العربية المستعمَرة ونصف المستعمَرة. فـ "كونية" و "شمولية" مرجعيتهم "الحقوقية" الليبرالية البرجوازية تتسع وتشمل كل زبالة الإضطهاد والاستثمار آنفة الذكر، إلا الماركسيين-اللينينيين فإنها تضيق عليهم بما رحبت لأعدائهم وخصومهم الطبقيين من كل لون وصنف.
لكن الأمهات لم ينتظرن أحداً من هؤلاء، ولم يقرأن الشكوك التي يبثها المرتعبون من سير التاريخ ومن تقدم المعركة وما تجتازه من خطوات تصعيدية، حملن القضية على عاتقهن، وانطلقن عواصفا في وجوه من أحرقوا شغاف قلوبهن في فلذات أكبادهن. ولسان حالهن يقول ما قالته "أم سعد، الشعب والمدرسة" لابن عمها الذي بالكاد يتعرّفُ طرح الأسئلة فيما ابنها ورفاقه يعيشون الأجوبة، وينتظر سماع الذي يأتي ولا يأتي من المذياع في الوقت نفسه الذي يصنع فيه ابنها هي الأخبار كلها: "..لماذا تعتقدون أن سَعد هو المحبوس؟ محبوس لأنه لم يوقّع ورقة تقول بأنه آدمي.. آدمي؟ من منكم آدمي؟ كلكم وقّعتم هذه الأوراق بطريقة أو بأخرى ومع ذلك فأنتم محبوسون..". أو "أم رجب اسماعيل" –في أحد أعمال منيف- التي كانت تنهر باقي الأمهات إذا أظهرن الضعف أو ذرفن الدموع أثناء زيارة أبنائهن المعتقلين، قائلةً ان الأم يجب أن تكون سنداً لابنها، وأن انهيارها أمامه أقسى عليهِ من كرابيج الجلادين نفسها.
هنا ينكشف العنصر النقيض والإيجابي للموضوع كما تبين إحدى مقولات المادية الجدلية، فكل شكل من أشكال الحركة إلا ويحتوي في ذاته على تناقضه الخاص. وبدون هذا التناقض لا يمكن الحديث عن حركة.
يجتذب الإعتقال السياسي أهالي المعتقلين وأُسرهم، زملائهم وأصدقائهم إلى ممارسة السياسة من موقع نقيض، ويزج بهم في غمرة النضال الطبقي حيث يتعرّفون بتجربتهم الخاصة وبفطرتهم السليمة ألف-باء الكفاح ضد أجهزة الدولة الرأسمالية التبعية من القضاء والبوليس وإدارة السجون وحرسها والوزارات الوصية عليها...إلخ، بما يساهم في تنامي وانتشار الحركة الجماهيرية واتساع نطاق نضالها وتغلغلها. وهو إذ يفعل ذلك، فإنه في الآن نفسه يعري ويفضح أعداء الشعب وأعداء التحرر الوطني والطبقي، أولئك المتسوّلون على أعتاب المنظمات الدولية والمؤسسات "الشرعية" الحكومية، الذين يتآمرون ضد المعتقلين السياسيين بأساليب شتى، بطيبة خاطر ساذجة أو بحسن نية سمجة، أمثال "المختار" الذي يصوره غسان كنفاني –في العمل السابق- ذليلا حقيرا إذ يحاول خنق أنفاس المقاومة وإخماد جمرتها المتقدة بدعوة السجناء لـ"لتعقل" وتوقيع تعهد يلتزمون فيه أن يكونوا "أوادم"، فيقابل من لدنهم بالسخرية والإزدراء والابتسام العريض: "شو يعني أوادم؟"، "أوادم يعني قاعدين وعاقلين؟"، "يعني ناكل كف ونقول شكرا؟"،... أو أولئك الذين يحمّلون المعتقلين السياسيين جريرة كل ما جرى، فلو لم تفعلوا كذا لما وقع كذا، ليخلصوا إلى نتيجة ضمنية بلا جدوى النضال أمام عدو متفوق ! فنضال الجماهير هو سبب عنف الدولة وليس الطبيعة الدموية للنظام الرجعي القمعي القائم، الذي لا يمكن أن يضمن استمراريته بغير البطش والتنكيل بحركة الجماهير وتعبيراتها السياسية حتى في بعض فئاتها الطبقية الإصلاحية والرجعية التي لا تشكل خطرا فعليا عليه. وهم بذلك أشبه ما يكونون باليمين البرجوازي الذي يحمّل المقاومة الوطنية الفلسطينية واللبنانية مسؤولية اجتياح "اسرائيل" لبيروت واحتلالها قسما عريضا من أراضي لبنان عام 1982، فيقلب النتيجة سببا ويحوّل السبب نتيجة بما يدين الضحية ويبرأ الجلاد ويرفع الكلفة عن النفس إذ يعفيها من اتخاذ موقف سياسي وتحديد موقع اصطفاف ضمن الصراع الناشب بين القوى الثورية والقوى المضادة للثورة.
إن ذنب رفاق الشهيدين ساسيوي والحسناوي بموقع مكناس الصامد، جريمتهم التي لا تغتفر من منظور القوى الإصلاحية وأذيالها التحريفية، أنهم خرقوا الإجماع وشقوا الصف بنهج خيار المواجهة صيفا. كأنما الصراع الطبقي ينتهي ويجب أن ينتهي بانتهاء الموسم الجامعي ليدخل في زمن العطالة بانتظار الدخول الجامعي القادم !! ولِيُخْفُوا خيانتهم وفرارهم بجلودهم إبان المعركة إلى شواطئ الاستجمام ومخيمات التدجين يتزيّون ببعض المفردات العسكرية؛ "استراحة محارب" ! فمتى كان في نضال الثوريين استراحة بهذا المعنى يا سادة؟ وأما أمُّ الكبائر التي اقترفها الرفاق بلا تردد فهي تجاوزهم لهذه القوى وتلك الأطراف فيما يتعلّق بالموقف العلمي من القوى الرجعية الظلامية والشوفينية، ليس على صعيد التحديد النظري لطبيعتها فقط والذي يميزهم عن باقي الزمر التحريفية، بل على صعيد المواجهة الميدانية ضدها وهزمها أمام الجماهير بكل أساليب ومختلف أشكال الصراع الطبقي.
أفئن استشهد سفيان أو اعتقل تُشرّعُ الأبواب أمام القوى الشوفينية الرجعية من جديد؟
أفئن استشهد أهموش أو اعتقل يُسمح للقوى الظلامية الرجعية بممارسة الشعوذة والدجل من داخل الحرم الجامعي؟
أفئن استشهد زهير أو اعتقل تعودُ الأطراف التحريفية لنشر أضاليلها وتخريفاتها في صفوف الحركة الطلابية؟
أفئن استشهد السراطي أو اعتقل تجتمع القوى الإصلاحية لتنظيم مواسمها الانتخابية الفولكلورية وتُميّع الساحة؟
كلا وألف كلا. لا يفكرنّ أحد بهذا المذهب التافه. فإن للساحة فرسانها وحراسها وقادتها فكرا وممارسة، ولن تنتكس أبدا راية الماركسية-اللينينية التي عمّدتها دماء الشهداء بالدماء، وكما هزمنا الفاشية مرةً سنهزمها مرة أخرى. وما النصر إلا صمود ساعة.