سقطت الأقنعة، فلنفتح الطريق الثوري
الى الامام
فجر صيف 1970 بالمغرب مجمل تناقضات البرجوازية التي أسدلت ستارا كثيفا أمام التطلعات الجماهيرية العميقة.
1) فإعادة تكتل الأحزاب البرجوازية الوطنية (الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية) في إطار الكتلة الوطنية وظهور البرجوازية على حقيقتها، بعد أن سقطت أقنعتها، بمثابة سمسار يجتهد في تسخير الشعب لنيل مساهمة ضئيلة في الحكم، عملية جعلت حدا لكل المغالطات الناجمة عن انقساماتها السطحية، ومواجهة برلمانية الحكم الفردي المزيفة ببرلمانية برجوازية، مادة بذلك أحسن الضمانات للحكم الفردي، بيد أن كلتي البرلمانيتين لا تعتبر الشعب أكثر من حصان تمتطي صهوته.
ولعل محاولة ”حزب التحرر والاشتراكية“ الرامية إلى نيل نصف مقعد في حظيرة ”الكتلة“ على أساس نفس البرلمانية البرجوازية لتعبر عن نفس الروح الطبقية للبرجوازية التي يميزها نفس الاحتقار للجماهير والخوف من نضالاتها.
2) كما أن المواقف الغامضة والملتوية التي عبر عنها جميع السياسيون البرجوازيون، في الوقت الذي كان واجب الوطنيين العرب هو تنظيم الجماهير وتعبئتها ضد مشروع ”روجزر“، تشكل خيانة شاملة من طرف تلك الشرذمة من محترفي السياسية وتجعل منهم صورا معلبة طبق الأصل لـ”حسنين هيكل“ منظم الهزائم والاستسلامات، وان دموع التماسيح التي يذرفونها الآن حسرة على السفك والتقتيل الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني (وثورته الجبارة)، لا يمكنها أن تنسينا الحملات التضليلية التي غمرنا بها بعضهم، ولا السكوت المتواطئ الذي التزمه البعض الآخر، إذ التحقوا جميعا في هذه المرحلة الحاسمة من الثورة العربية بمعسكر أعداء الثورة.
كل هذا يفرض الحقيقة التالية : إن طريق المستقبل الوحيد بالنسبة للمغرب، الطريق الثوري، قد انفتح وواجب كل المناضلين المخلصين هو المساهمة في التوضيح الإيديولوجي حول هذا الطريق، وفي هيكلة الأداة الحاسمة ”الحزب الماركسي-اللينيني“، وهذا ما سيتناوله المشروع الأولي للأطروحة الثورية.
أولا : القوى الثورية المتواجدة في المغرب
تنقسم الطبقات في المغرب إلى ثلاث طبقات رئيسية :
1) الاوليغاريشيا الكمبرادورية :
وتتكون من شرذمة من الأفراد يمارسون سلطة سياسية مطلقة من خلال الجهاز القمعي للدولة (أحيانا تغطيته بطلاء ليبرالي)، ونفوذها يتزايد يوما بعد يوم وتشمل سطوتها مختلف القطاعات، فمن الصناعة والتجارة إلى الفلاحة مع ارتباط وثيق بالرأسمال الأجنبي.
(أ?) إن السند الرئيسي لهذه الأوليغارشيا هو الرأسمالية العالمية. فوراء الخلافات السطحية والتي تصبح مجرد تغطية لتوزيع العمل وتقسيمه، نجد أن الوحدة العالمية الإمبريالية ما فتئت تتقوى وتتعمق تحت قيادة الإمبريالية الأمريكية، وأن أبناك الأعمال النشيطة في فرنسا، والتي من بينها بنك ”روتشيلد“ الذي يشكل بصفة صريحة ومباشرة أحد القلوب النابضة للصهيونية، أبشع وأشرس أشكال الإمبريالية عدوانا وعنصرية، هذه الأبناك تشرف وتساهم بنهم في عملية النهب المتضاعفة التي تقوم بها الأوليغارشيا الكمبرادورية. كما أنها تؤمن بتوسيع هذه العملية بأشكال جديدة كالسياحة والمرافق الزراعية - الصناعية للسكر ونوار الشمس وتربية المواشي والنفط... وبتعميقها في القطاعات الكلاسيكية مثل المعادن وتجارة الإيراد.
ولقد تجلى وبوضوح تام تواطؤ أبناك الأعمال والاحتكارات الأمريكية والأوليغارشيا الكمبرادورية (الطفيلية) المغربية والمورطانية في عملية تنسيق الذخائر النفطية والمعدنية في ”الصحراء الغربية“ وفي التخطيطات الرامية إلى استيلاء الإمبريالية على ذلك الجزء من الوطن العربي.
(ب) هذه السياسية التي تهدف إلى الإسراع بعملية نهب البلاد وتوسيعها تؤدي إلى نزع الملكية من الجماهير القروية، وإلى الزج بها في وضعية البروليتاريا وحشدها في مدن القصدير وغير ذلك من المعتقلات الحضرية للرأسمالية العصرية والرمي بها في المنفى في معتقلات من نوع جديد مثل أسواق الشغل لأوربا الرأسمالية.
إن قمع الجماهير الوحشي والمباشر من طرف الاوليغاريشيا الكمبرادورية التي ينتج عن هذا النهب يتم بمجرد إدماج الرواسب المتجذرة للإقطاعية القديمة، وكذلك أشخاص يدينون بترقيتهم السريعة إلى المناصب العليا داخل السلطة القمعية لتخليهم عن كل شعور وطني ولانعدام خصال الإنسان فيهم، الشيء الذي يهيئهم جميعا إلى استعمال العنف والظلم وبغض الشعب من أجل خدمة مصالحهم الشخصية، ومصالح الأوتوقراطية والرأسمال الأجنبي. إن الساهرين على التنفيذ اليومي لهذا الاستبداد في البادية كما في الأحياء الشعبية، يتشكلون من القواد والشيوخ والمقدمين يساندهم في ذلك جهاز البوليس ورجال الدرك وشبكات الوشاة.
فعلاوة على التعسف والقمع اليومي، لا تتردد الاوليغاريشيا الكمبرادورية في اللجوء إلى إغتيال واختطاف وتعذيب المناضلين، الذين يجرؤون على الخروج عن الإطار السياسي الخاضع والمتواطئ مع البرجوازية الليبرالية طارحين حلولا ثورية، والذين يعرضهم ضعفهم إلى القمع نظرا لعدم توفرهم على هيكل وايديولوجية واستراتيجية ثورية يعززها المنهج العلمي. مع الإشارة إلى أن الاوليغاريشيا الكمبرادورية لا تعتمد في الواقع الليبرالية إلا كطلاء خارجي نظرا للبينة البوليسية الثابتة للدولة.
(ج) غير أن هذه البينة البوليسية تحمل بذور زوالها لأن استعمال العنف المستمر والظلم واحتقار الإنسان بعزلة عن كل قاعدة اجتماعية. هكذا فإن جمهور البوليس العلني والدرك لم يعد من السهل الاعتماد عليه فيما يخص القيام بالقمع العنيف ضد نضالات الجماهير، كما أن الاوليغاريشيا الكمبرادورية تعتمد أكثر فأكثر على الفرق المدربة خصيصا كفيالق التدخل السريع (سيمي).
ويبدو أن هذا التناقض امتد إلى داخل الجيش الذي يشعر بالسياسة التي تقوم على خيانة المصالح الوطنية من طرف الاوليغاريشيا الكمبرادورية التي تنتمي إليها جماعة كبار الضباط الذين انتجتهم الجيوش الاستعمارية. لكن تكوين وايديولوجية البرجوازية الصغيرة وكذلك انعدام الحزب والايديولوجية الثورية منع الأطر العسكرية الوطنية من إدراك السبيل السديد المرتبط بالمعركة الثورية للجماهير. سوف يكون لنمو المعركة وتجذيرها العضوي والايديولوجي في البلاد نتائج إيجابية على هذه الأطر وعلى جماهير الجنود المنبثقة من الشعب شريطة أن يهدف كفاح الجماهير بقيادة الحزب الثوري وان تهدف استراتيجيته وتكتيكه وتنظيمه إلى عزل الاوليغاريشيا الكمبرادورية.
(د) إن الاوليغاريشيا الكمبرادورية قد أدمجت في عملية نهبها لاقتصاد البلاد نواب البرجوازية الكبيرة التجارية والصناعية والعقارية التي أخذت في النمو قبل الاستقلال، إذ لعبت دورا لا وطنيا، والتي ما فتئت منذ الاستقلال مرهونة بمصير الرأسمال الأجنبي. إن ممثلي هذه البرجوازية الكبيرة يخدمون بالخصوص مصالح الاوليغاريشيا الكمبرادورية فيما يتعلق بعلاقاتها الاقتصادية والمالية بالإمبريالية، وفيما يتعلق بالتسيير والتنمية وذلك بالتعامل مع تقنوقراطيي الإمبريالية والأبناك والأجهزة التي تعمق بوسائلها سياسة الاستعمار الجديد.
(هـ) وبالاعتماد على هؤلاء الأشخاص، وفي هذه القطاعات، فإن الاوليغاريشيا الكمبرادورية تستعمل البرجوازية المتوسطة البيروقراطية، هذه الفئة الاجتماعية -المتكونة مما يقرب من عشرة آلاف أسرة- تشكل في إطار هذه الأجهزة الإدارية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية الهيئة المنفذة للأوليغاريشيا الكمبرادورية، كما أن موظفي السلطة المرؤوسين يقومون بدور مماثل داخل الجهاز القمعي. إن أغلبية أساتذة الجامعة قد اندمجت موضوعيا وإيديولوجيا في هذه الفئة الاجتماعية ويشكلون صلة وصل خاصة بين هذا الجهاز والأجهزة السياسية للبرجوازية الليبرالية.
وبصفتهم إما أشخاص مقيدين بالهياكل المباشرة التي تقوم على الفساد والتي اندمجوا فيها، أو تقنوقراطيين متواطئين في المجتمع المغربي نظرا لنمط حياتهم ومشاغلهم، فإن ممثلي البرجوازية المتوسطة البيروقراطية محتقرون من طرف أسيادهم ومن طرف الجماهير في آن واحد، وحتى يرتاح ضميرهم فإننا نراهم مرتبطين بالأجهزة السياسية البرجوازية أو يركنون إلى التقنية.
ونظرا لهذه التبعية المادية والمعنوية فإن هذه الفئة الاجتماعية لن تستطيع أن تلعب دورا سياسيا إيجابيا أو سلبيا، وإلا - كما فعلت حتى الآن - فلن تتعدى القيام بإغراء بعض الطلبة وأسرهم الذين يأملون حلا فرديا لمشاكلهم. إلا أن الجمود العام لاقتصاد البلاد وتناقضات الاوليغاريشيا الكمبرادورية التي ما فتئت في الواقع تحد من عملية مغرية الأطر، يجعل من هذا الإغراء شيئا وهميا. ومن الطبيعي أن تخضع هذه الفئة الاجتماعية موضوعيا للإمبريالية.
(و) إن الاوليغاريشيا الكمبرادورية تستعمل الإيديولوجية كأداة من أجل خداع أو شل الجماهير. إن الأداة الايديولوجية الأكثر فعالية هي في الواقع الأداة البرجوازية اللبيرالية التي سوف نستعرض ملامحها فيما بعد. ولكن الاوليغاريشيا الكمبرادورية لا زالت تمارس تأثيرا إيديولوجيا مباشرا باستعمالها للدين وتأليه الملكية وخاصة في بعض الأوساط الفلاحية، وذلك باستعمالها للطرقية (الزاويات). ولكن هذا التأثير يظل سطحيا نظرا لأن الاوليغاريشيا الكمبرادورية ليست متواطئة مع الإمبريالية والصهيونية - أعداء العرب - فحسب، بل سلوكها اليومي أساسا يمس مسا صريحا بأصول الدين الذي يكون في الحقيقة التعبير الذاتي الأصيل عن طموح الجماهير المسلوبة والمحرومة إلى العدالة.
على الحزب الثوري إذن أن يستأصل هذا التأثير، مبينا أن الطريق الثوري هو وحده الكفيل بحل كل أشكال الاستلاب خصوصا وأن الهدف الثوري يرنو اعتمادا على الديكتاتورية الديمقراطية للعمال والفلاحين الفقراء إلى بناء مجتمع اشتراكي في إطار الثورة العربية الكبرى وفي إطار الوطن العربي، يضمن العدالة الاجتماعية الحقة، تلك العدالة التي تجسدت ذاتيا بتشبث الجماهير بالقيم النبيلة للتراث الإسلامي، ولأن هذا الهدف ينغرس في تقاليد النضالات التاريخية الشعبية الدائمة المتجسمة في القرن الجاري. في الانتفاضة الشعبية ضد مولاي عبد الحفيظ، والنضالات التي قادها ماء العينين، وموحى وحمو وعبد الكريم الخطابي. وفي معركة الشعب البيضاوي وكافة الشعب المغربي تحت قيادة المقاومة، تلك النضالات التي كانت كلها تناهض تسخير السلطة المركزية لفائدة المصلحة الشخصية ومصلحة الأجنبي.
2) البرجوازية الليبرالية
وتتكون من البرجوازية المتوسطة والصغيرة. وإذا كانت البرجوازية الكبيرة قد تمكنت من إيجاد مقعدها في ظل الرأسمال الأجنبي والاوليغاريشيا، فإن البرجوازية المتوسطة والصغيرة في المدينة والبادية تعاني من الاضمحلال الاقتصادي والاجتماعي الناتج عن الطغيان السياسي للاوليغاريشيا الكمبرادورية وعن نهجها الاقتصادي.
(أ?) إن البرجوازية المتوسطة والبرجوازية الرأسمالية تشمل المقاولين الصناعيين الصغار والمتوسطين، كما تشمل التجار المتوسطين والبرجوازية القروية المكونة من الفلاحين الأغنياء وصغار ومتوسطي الملاكين.
لقد عاشت هذه البرجوازية الرأسمالية نوعا من النمو خلال سنوات الأولى بعد الاستقلال، وكانت في هذه المرحلة وبالضبط ركيزة حزب الاستقلال الأساسية. إلا أن هيكلة الاوليغاريشيا الكمبرادورية لم تقض على السلطة السياسية الحقيقية لهذه البرجوازية فحسب - الشيء الذي عبرت عنه شكليا في حالة الاستثناء ودستور يوليوز 1970 - بل حدت في نفس الوقت من الإمكانيات الاقتصادية للبرجوازية الرأسمالية.
ومن أجل ضمان استمرارها نجد هذه الرأسمالية نفسها مرغمة على التعامل مع الاوليغاريشيا الكمبرادورية والخضوع لنهبها، هذا إن لم يكن مصيرها في النهاية الإفلاس بسبب الاحتكارات الفعلية المكونة من الاوليغاريشيا الكمبرادورية والرأسمال الأجنبي.
ونظرا لعجز هذه البرجوازية السياسي، هذا العجز الذي يرجع بدوره لعجزها الاقتصادي كطبقة اجتماعية، ونظرا لعجز محترفي السياسة البرجوازية عن الدفاع عن مصالحهم، فإن هذه الطبقة ليس لها اختيار سوى الالتحاق بالإدارة السياسية للاوليغاريشيا. فيما يخص التورط الحالي لهذه الطبقة الاجتماعية التي وقعت أسيرة أحلامها المستحيلة المتمثلة في دولة تعتمد ديمقراطية برجوازية وطنية من جهة ولنهب الاليغاريشيا الكمبرادورية من جهة أخرى، فإن برنامج الحزب الثوري هو وحده الكفيل بإعطاء رؤيا واقعية وشريفة في إطار إنجاز قطاع محدود من الرأسمالية الوطنية تحت قيادة الدكتاتورية الديمقراطية الثورية للعمال والفلاحين الفقراء وذلك ضمن المرحلة الانتقالية نحو الاشتراكية.
(ب?) إن البرجوازية الصغيرة تشمل أصحاب المهن الليبرالية، أي المثقفون، أساتذة التعليم الثانوي والمعلمون، وكذا طلبة الجامعات والتقنيون المتوسطون والموظفون الصغار والمتوسطون وصغار التجار والصناع التقليديون المتوسطون باستثناء الفئات العليا التي تساهم فعلا في بناء البرجوازية البروقراطية.
فمما سبق يتضح أن هذه الطبقة تتكون من عناصر لها وظائف جد مختلفة داخل المجتمع، وظائف وهياكل تحول دون تماسكها.
إن صغار التجار والصناع التقليديين المتوسطين والمثقفين المتوسطين والموظفين الصغار والمتوسطين، أصحاب المهن الليبرالية يعانون بحدة من سياسة النهب للاوليغاريشيا الكميرادورية وللإمبريالية. يعيشون وهم مهددون بالإفلاس، بينما تعترض حياتهم صعوبات جمة مثل ارتفاع الأسعار والضرائب، أضف إلى ذلك جمود الأجور التي يتقاضونها وحدود الدخل الضئيلة التي لا تكاد تكفي سد حاجاتهم الضرورية للمعيشة. إنهم يشكلون إذن من الناحية الموضوعية حلفاء للثورة شريطة أن يتم فصلهم عن الإيديولوجية البرجوازية التي تهيمن عليهم. إن أساتذة التعليم الثانوي والمعلمين وطلبة الجامعات وكل أولئك الذين يرفضون استعمال ثقافتهم كمرتزقة، مستحقين بذلك لقب مثقفين، إن كل هؤلاء يكونون مجموع المثقفين البرجوازيين الصغار. وبالرغم من أن جزءا متزايدا من هؤلاء ينبثق عن البروليتاريا وشبه البروليتاريا، فإن الإطار الإيديولوجي للجامعة والظروف التي يشتغلون فيها تدفعهم للاندماج ضمن إيديولوجية البرجوازية الصغيرة، التي يميزها الإيمان بتفوق ما يسمى بالنخبة التي تعتمد المعرفة النظرية، واحتقار العمل اليدوي والقدرات الخلاقة للجماهير الكادحة.
إن الاوليغاريشيا الكمبرادورية، بطريقة غير مباشرة، وكذلك محترفي السياسة من البرجوازيين والبرجوازيين الصغار، بطريقة مباشرة، قد استخدموا أكثر من مرة هذا التحريف الجوهري لإبقاء هذه الفئات تحت تأثيرهم. ولكن الإفلاس الذي يزداد وضوحا يوما بعد يوم، هو إفلاس الفكر البرجوازي والبرجوازي الصغير وذلك أمام متطلبات الثورة العربية. وأمام التيارات الأيديولوجية التي ساهمت في هذه الثورة في شيوعها. كل هذه الفئة الاجتماعية قابلة بشكل تدريجي للإيديولوجية الثورية، وتجعلها تقوم بدور تزداد أهميته مع الأيام، فيساعد على تغلغل ونمو هذه الإيديولوجيا وسط الجماهير الكادحة. كما أن إنشاء مراكز إقليمية لتكوين أساتذة للطور الأول من التعليم الثانوي يدخل عنصرا موضوعيا فيما يخص الإسراع بهذا النمو.
(ج) لقد انبثقت الأطر البرجوازية الليبرالية من صفوف البرجوازية الكبرى والصغرى، مشكلة بذلك فئة من السياسيين التي ليست الآن سوى ما تبقى من الحركة البرجوازية الوطنية، التي لعبت دورا إيجابيا في مرحلة الانطلاقة الأولى لحركة الاستقلال قبل أن تنمحي أمام المقاومة المسلحة للعمال والحرفيين والفلاحين. وأن هذه الفئة قد امتصت لصالحها في أول الأمر تلك الانطلاقة قبل أن تنطلق بسرعة بفعل مناورات الإقطاع ونتيجة تناقضاته الذاتية.
فمنذ 1963 لم يستطع هؤلاء السياسيون الانهزاميون تحت ضربات الحكم الفردي سوى الاعتصام بمخيلتهم عاجزين عن الخروج سواء أثناء النضالات الجماهيرية الهائلة في مارس 1965، ولا عند اغتيال المهدي بن بركة ولا في فترة التعبئة التي عاشها الشعب في يونيو 1967، ولا خلال المعارك في المناجم في 1968/1969 ولا في وقت المعارك الكبرى التي خاضتها شبيبة الثانويات والجامعات سنة 1970.
وحينما احتاج الحكم الفردي فجأة إلى إعادة طلائه الليبرالي الذي هشمته هذه الضربات، غادر هؤلاء السادة مخابئهم معرضين عن لقمة الدستور المزيفة مطالبين بلقمة اسمن، ومحاولين الهاء الشعب بألعابهم البهلوانية. أما البرجوازية الأكثر نفاقا، أولئك السادة الذين طالما خدعوا المناضلين بثرثرتهم عن الاشتراكية العلمية، فإن هؤلاء يلوحون بشعار المجلس التأسيسي”تاالله أنها لفلسفة عبقرية برجوازية زاحفة على بطنها“ كما يقول لينين في شأنها، وذلك في محاولتها لبث أوهام انتهازية برجوازية في إمكانية تنازلات سليمة من طرف الحكم الفردي. إن كل هذا يبين أن تجربة شعبنا القاسية قد علمته ألا ينتظر إلا الأكاذيب والنار والدم، وأنها القوة وحدها، قوة الشعب هي الكفيلة بتحقيق العدالة.
(هـ) لقد لعب محترفي السياسة البرجوازية الصغار دورا هاما في عملية تعطيل البروليتاريا المغربية، وهم الذين يشكلون البيروقراطية النقابية، هذه البيروقراطية التي تهيكلت اعتمادا على مناضلين تكونوا من خلال قيامهم بالمعركة النقابية إبان الحماية وفي ظل البرجوازية الوطنية. في هذه الفترة كان التنظيم النقابي للطبقة العاملة والحزب الشيوعي المغربي يلعبان دورا بارزا من أجل بزوغ الوعي الطبقي واستعداد للكفاحات الكبرى سواء الاقتصادية منها أو السياسية للبروليتاريا المغربية التي قامت بدور حاسم فيما يخص تصفية الحماية. إلا أن هذا الوعي الطبقي لم يتحول إلى أيديولوجية ثورية نتيجة تناقضات الحزب الشيوعي المغربي المطبوعة بالأيديولوجية الإصلاحية تحت تأثير التصور القائل بأسبقية الثورة في أوربا، فاسحة المجال للبرجوازية الصغرى الوطنية. وبعد الاستقلال استطاعت الأطر النقابية المندمجة في الأجهزة السياسية للبرجوازية والبرجوازية الصغرى تكوين بيرقراطية خاصة. وقد شجعهم على ذلك تكتيك أرباب العمل الاستعماريين والاوليغاريشيا الكمبرادورية الذي يقوم على الفساد والقمع. ولقد استطاعت هذه البريوقراطية النقابية خلال مدة طويلة تقوية سطوتها على الطبقة العاملة، خاصة وأنها كانت تواجه التناقضات بالديماغوجية الناتجة عن البرجوازية بتجربتها المكتسبة على صعيد المعارك النقابية والاقتصادية، وبإيديولوجية توفر للطبقة العاملة إمكانية الانطواء على نفسها في الإطار النقابي وحده. وسهل هذا التوجه والانعزال عن الطبقة العاملة خيانة قيادة الحزب الشيوعي المغربي الذي عجز عن الإحاطة بالمشاكل الجديدة الناجمة عن الاستقلال نظرا لتبعيتها للتحريفية. وبذلك قادوا هذا الحزب إلى التخلي الكلي عن المعركة الأيديولوجية وإدخالها إلى صفوف الطبقة العاملة والتخلي عن الدور السياسي الذي يتحكم على كل حزب يقول بانتمائه إلى الماركسية-اللينينية القيام به من أجل بلورة الوعي الثوري للبروليتاريا، وذلك نظرا لاكتفاء مناضلي هذا الحزب بالقيام بالعمل النقابي المحدود في الإطار النقابي. وبدت هذه الخيانة أكثر وضوحا بعد التوجه الذي أعطى لحزب التحرر والاشتراكية الذي ما فتئ أن سقط في أفظع أنواع الانتهازية التي لا تعرف لها مبادئ.
إلا أن الخيانة التي تتضح يوما بعد يوم هي خيانة البيروقراطية النقابية التي تلعب بطريقة مباشرة، ليس لعبة البرجوازية الصغيرة الانتهازية فحسب، ولكن كذلك وبدون تهاون، لعبة الاوليغاريشيا الكمبرادورية ولعبة أرباب العمل الاستعماريين، متخلية حتى عن المعارك النقابية المحضة، والتي تهدف بواسطة جريدتها وبقلم منظرها الرسمي إلى التلميح بشعار تفوق ما يسمى بالنخبة.
وأما إفلاس المنظمات السياسية البرجوازية لحزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية واحتقارها العفوي للجماهير، وكذا خيانة حزب التحرر والاشتراكية الواضحة تشكلان حافزا قويا على العمل وعلى الشروع في بناء الحزب الثوري للبروليتاريا.
إن الكفاحات العمالية للسنتين الأخيرتين تعطي الدليل على أن البروليتاريا المغربية سوف تعرف كيف تقوم بدور القيادة من خلال حزبها الثوري وكيف تلعب من جديد دورها التاريخي. غير أنه تشكل هذه المرة الهيكل الرئيسي للحزب الثوري المستند على الإيديولوجية الماركسية-اللينينية وعلى الوعي البروليتاري من أجل قيادة كفاحات الشعب المغربي حتى النصر النهائي للاشتراكية.
3) الجماهير الكادحة
أ?) تتكون أغلبية سكان المدن والبادية من جماهير البروليتاريا وشبه البروليتاريا الشعبية وتشتمل على :
- البروليتاريا الصناعية والمعدنية والبروليتاريا الفلاحية، وتكون هذه مجموع البروليتاريا.
- الفلاحون، نعني بهم المستغَلون منهم والفلاحون الفقراء والخماسة والعمال المؤقتون وعمال الموقف والباعة المستقلون والمستكتبون والحرفيون الصغار والبروليتاريون العاطلون والنساء ومجموع شبه البروليتاريا. إن الشباب العاطل ينتمون إلى شبه البروليتاريا، والشبيبة التي تحظى بالتعليم والمنبثقة عن الجماهير الكادحة تكون المعبر الفكري لهذه الطبقة.
إن القوة الأساسية للثورة هي البروليتاريا الصناعية والمعدنية، أما الفئات الأخرى من البروليتاريا والفلاحين الفقراء فتكون القوى الحاسمة للثورة. إن مجموع البروليتاريا يكون قوة الثورة، وتتحمل البروليتاريا الصناعية والمعدنية بحكم أنها القوى الأساسية للثورة القيادة السياسية والإيديولوجية التي يتشكل فيها الهيكل الرئيسي أو العمود الفقري للحزب الثوري.
(ب?) أما هدف الثورة فهو الاستيلاء على الحكم من طرف الجماهير الكادحة المنظمة في إطار مجالس العمال والفلاحين الفقراء وفي إطار جماعات النضال الشعبي، وإحلال دكتاتورية ديمقراطية للعمال والفلاحين الفقراء محل السيطرة الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية والثقافية للأوليغاريشيا الكمبرادورية والإمبريالية في إطار الثورة العالمية. وبما أن هذه الدكتاتورية تمارس ضد جهاز الإمبريالية وحلفائها، فإنها تضمن الإطار الصحيح للتطلعات الاقتصادية للبرجوازية المتوسطة والصغيرة.
(ج) إن المكتسبات التاريخية للنضال الجماهيري والمسلح في البادية والمناجم والمدن إبان مقاومة الحماية، وبعد ذلك من خلال محاربة طغيان الإقطاع واضطهاد الاستعمار الجديد منذ 15 سنة، قد خلفت التحاما نضاليا عميقا بين المدينة والبادية بين البروليتاريا وشبه البروليتاريا الحضرية والبروليتاريا الحضرية والبروليتاريا القروية. هذا الالتحام بالإضافة إلى الاحتكاك الاجتماعي بين البادية والمدينة. والأهمية المعطاة نسبيا للمدن (حوالي 10 مدن تضم 30% من مجموع السكان) في بلد يخضع لسيطرة الاستعمار الجديد، كل هذا يكون ميزة خاصة للثورة في المغرب مما يفرض التأكيد على ضرورة تنمية وتنظيم نفس النضال في المدن والبوادي دون تمييز أي قطاع عن الآخر. وأحسن دليل على هذه الحقيقية هو فشل كل النضالات المنعزلة التي عرفتها البلاد منذ انتفاضه الريف في 1958/59 وانتفاضة الشعب البيضاوي في 23 مارس 1965 ونضالات المناجم في 1968/69 ومعركة التلاميذ والطلبة سنة 1970. مع العلم بأن هذه العزلة ناتجة عن خيانة البرجوازيين والبرجوازيين الصغار وعن غياب الحزب الثوري.
(د) في ظل غياب حزب ثوري ماركسي-لينيني ولانعدام آفاق واضحة للنضال واستراتيجية ثورية سليمة، فإن بعض التيارات الإيديولوجية تنشأ تلقائيا في أوساط الجماهير الكادحة أو تنمو في ظل نوع خاص من أيديولوجية البرجوازية الصغيرة ألا وهي الأيديولوجية الانتقائية.
ومجوع هذه التيارات والمناضلين المنتمين إليها والكفاحات التي تتمخض عنها لا يمكن بأية حال أن تقارن بالتيارات الإيديولوجية الانتهازية للبرجوازية الليبرالية، فقط لكونها غير متسلحة بالأيديولوجية العلمية للثورة، ذلك أنها تعبر عن تطلعات عادلة وطبيعية للجماهير الكادحة، بل يجب العمل على كسب هؤلاء المناضلين إلى صف الأيديولوجية الماركسية-اللينينية وإلى الحزب الثوري حيث يمكن أن يصبحوا عناصر حاسمة فيه، وفي هذا الإطار يجب محاربة كل الإيديولوجيات التي تزرع اليأس لدى الجماهير والمناضلين.
ويمكن في أول الأمر الارتباط بالتيارات التي تنبع في غمرة النضالات التلقائية للجماهير، هذه التيارات المنبثقة من خلال تاريخ البلاد نفسه والتي يتجلى في الانتفاضات التي قام بها الفلاحون والحركة التمردية للجماهير في المدن. هذه الجماهير التي تعبر عن يأسها بهذه الانتفاضات، سوف تكون من الجماهير الأكثر ثورية بعد تبنيها للاستراتيجية الثورية وبلورة هذه الاستراتيجية في النضال وتنظيمه. ومن جهة أخرى فقد برزت ولا تزال -في عدة مناسبات الإيديولوجية الانقلابية، وهذه في الواقع إيديولوجية برجوازية صغيرة يميزها في الجوهر انعدام الثقة في الجماهير.
وأن نتائج هذه الإيديولوجية في بلدان الشرق العربي حيث فرضت نفسها قد أثبتت بشكل واضح أنها لا يمكن أن تعتبر إيديولوجية ثورية. ومرة أخرى تؤكد بأن المناضلين والمقاومين الذين زج بهم في التيار هم في الواقع ثوار حقيقيون، تورطوا نتيجة محترفي السياسة البرجوازيين وخاصة بسبب الأحزاب التحريفية في الوطن العربي التي قدمت صورة مشوهة عن الماركسية-اللينينية وأبعدت بذلك هؤلاء الثوار عن الإيديولوجية الثورية.
(هـ) إن قيادة الثورة تتمثل في حزب العمال والفلاحين المبني على الإيديولوجية الماركسية-اللينينية و المنغرس في البروليتاريا، وبواسطة أداة الديكتاتورية الديمقراطية للعمال والفلاحين الفقراء المباشرة عن طريق مجالس العمال والفلاحين الفقراء وجماعات النضال الشعبي للفلاحين ولسكان الأحياء الشعبية.
ثانيا : التداخل بين هذه القوى والثورة العربية والعالمية
1) تعرف الرأسمالية العالمية أزمة عامة للنظام الرأسمالي العالمي، والتي دشنتها ثورة أكتوبر منذ 52 سنة، تطورا سريعا، برز بوضوح بعد الحرب العالمية الثانية التي أفرجت عن ثغرات جديدة، من أهمها انتصار الثورة الصينية وتوسيع المعسكر الاشتراكي في أوربا وتصاعد نضال الشعوب في آسيا وانتصار الشعبين الكوري والفيتنامي على الإمبريالية.
ولقد أدى هذا التقهقر بالإمبريالية إلى مواجهة انطلاقة التحرر للشعوب بتعميم نظام الاستعمار الجديد. هذا النظام الذي تنوب فيه الإقطاعيات والبرجوازيات المحلية جزئيا عن السيطرة المباشرة للإمبريالية. ومما دعم هذه السياسة للإمبريالية استيلاء حفنة من البيروقراطية المحترفين على الحكم في الاتحاد السوفياتي في السنوات التي تلت وفاة ستالين. هذه الحفنة التي دعت إلى ما يسمى بأنظمة الديمقراطية الوطنية، ودخلت مع الإمبريالية في مجرد تناقضات ثانوية على الصعيد الاقتصادي، أجل ان انطلاقات الشعوب سيل جارف، فها هي الثورة الكوبية تفتح ثغرة جديدة في أمريكا اللاتينية لا تحد من تأثيرها سوى تأثير التحريفية. ففي الكونغو وفي أندونيسيا ومالي وغانا نرى نضالات الشعوب تزلزل أكثر فأكثر قواعد البرجوازية والإمبريالية، وكذا الشعب الفيتنامي البطل ونضال الشعوب الإفريقية في أنغولا وموزمبيق وغينيا والرأس الأخضر والتشاد، هذا النضال الذي يمتد ليشمل شعوب زمبابوي وناميبيا والذي يتجدد في الكامرون، وإن شعوبا مثل شعوب الكونغو برازفيل بدأت تستخرج الدروس من النكسات المترتبة عن الإيديولوجية التحريفية.
وفي داخل القلعة الإمبريالية نفسها، فإن الشعب الإفريقي الأمريكي المتحالف مع جميع الثوار الأمريكان يشن نضالا ثوريا حاسما يهدد وينخر شيئا فشيئا حصن الإمبريالية الحصين. وان تطور وانتصار الثورة الثقافية في الصين وألبانيا قد بعث الصورة الحية للاشتراكية وزود النضالات الثورية العالمية بمد ثوري جديد. كما تعرف عدة بلدان رأسمالية أوربية مثل فرنسا وإيطاليا انبعاثا صارخا وعنيفا للقوى الثورية وفي طليعتها الطبقة العاملة، ويستعد الشعب الاسباني الباسل تحت قيادة البروليتاريا الثورية لشن الحملة الحاسمة على الديكتاتورية الفاشية.
2) في هذا الإطار تنمو مسيرة الثورة العربية معتمدة على الثورة العالمية، فتصبح عاملا حاسما بالنسبة إليها، وهذا النمو الهادر أخذ انطلاقته من الهزيمة الذريعة التي عرفتها الإقطاعيات والبرجوازيات العربية في يونيو 1967. تلك الهزيمة التي كانت مقدمة للخيانة المفضوحة التي سجلها صيف 1970، أما المحرك الأساسي لهذه المسيرة فهو الشعب الفلسطيني المسلح ماديا وأيديولوجيا والذي التحم بالحديد والنار خلال 23 سنة فأصبح يكون قوة ثورية لا تقهر. فمن خلال نضالاته تفضح وتشطب كل تأثيرات وايديولوجيات البرجوازية الثورية العربية. إن هذا الإشعاع ما فتئ يتجسد في ثورة اليمن الجنوبي وفي نمو الحركة الثورية والتحررية في ظفار والخليج العربي واريرتيا. إلا أن تأثيرات الفكر البورجوازي الصغير الذي لازال قويا داخل الوطن العربي والمدعم من طرف الإيديولوجية التحريفية قد استطاع أن يشل نضالات الشعوب العربية حائلا دونها وتقديم دعم ملموس للثورة الفلسطينية خاصة ضد تطبيع مؤامرة التصفية التي خطتها الإمبريالية والتحريفية والحاملة اسم ”مشروع روجرز“.
والعبرة من كل هذا هو أن الزحف الشامل والعظيم للشعب العربي يستلزم التصفية النهائية للاديولوجية التحريفية والبرجوازية الصغيرة، كما يستلزم فضحا تاما لدور الخونة السياسيين المنافقين عملاء الشرذمة التحريفية المسيطرة على قيادة الاتحاد السوفياتي. هؤلاء السياسيون المحترفون المحكوم عليهم بالانقراض المخزي، كما كان الشأن بالنسبة للأحزاب التحريفية في مصر والجزائر وتونس.
وإذا كانت الإمبريالية وعملاؤها الداخليون العدو الأساسي، فإن أي تقدم ملموس في نضالات الجماهير ضد هذا العدو لن يتم إلا بمحاربة وإضعاف ثم تصفية مواقع الفكر البرجوازي الصغير والتحريفية وفضح الخونة بلا رحمة ولا شفقة.
إن ترعرع الثورة العالمية والثورة العربية وتصفية التحريفية داخل صفوف الثورة العربية وفي القطاعات الأساسية للثورة العالمية سيمكن في المدى المتوسط من عزل ثم تصفية الكمشة التحريفية التي تقود الاتحاد السوفياتي كي يحل محلها - على رأس وطن الاشتراكية الأول - قيادة ثورية ترفع من جديد راية لينين وستالين، راية الأممية البروليتارية والثورة العالمية.
3) استراتيجية الثورة
إن قضايا الاستراتيجية الثورية في المغرب تشكل جزءا من الثورة العربية المرتبطة بدورها بالثورة العالمية.
(أ?) يظهر من تحليل القوى المتواجدة في المغرب والنضالات الهامة للطبقة العاملة وشبه البروليتاريا في المدن والبوادي خلال السنوات الأخيرة، ان الانطلاقة الثورية ممكنة في المغرب في السنوات القادمة، وكذا نمو الثورة العربية وتفاقم الأزمة العامة للرأسمالية على الصعيد العالمي وخصوصا في منطقة البحر الأبيض المتوسط. كل هذا يلقي واجبا مقدما على عاتق الشعب المغربي والمناضلين الثوريين المغاربة، وهذا الواجب يتجسد في تحقيق هذا الامكان، وتحقيق الانطلاقة الثورية لمواجهة حرب العدوان الإمبريالي على أشقائنا الفلسطينيين من الخلف وابقاء الشعلة الثورية في هذا الجزء الغربي من الوطن العربي.
(ب?) إلا أن أهمية المغرب القصوى بالنسبة للاستراتيجية الإمبريالية في منطقة البحر الأبيض المتوسط تجعل احتمال التدخل الإمبريالي ضد الانطلاقة الثورية أمرا حتميا فتكون إذ ذاك الحرب الشعبية الرد الناجع على الهجوم الإمبريالي، مما من شأنه أن يزيد في خطورة الصعوبات التي تواجه عدو الشعوب في منطقة البحر الأبيض المتوسط بمحاصرته داخل حرب شعبية طويلة الأمد في الشرق والغرب حتى الانتصار النهائي الحتمي.
وستكون النضالات العظيمة التي ستتمخض عنها طاقات الشعب الإسباني الثورية دعما حاسما للحركة الثورية المغربية. ان احتلال المدن والجزر المغربية التي تقع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط من طرف الإمبريالية الإسبانية وكذلك تدعيم المطارات العسكرية في جنوب إسبانيا من طرف الإمبريالية الأمريكية تضع أسس وحدة جدلية ما بين الكفاحات الثورية للشعبين المغربي والإسباني. كما يجب قبل كل شيء أن يتطور النضال الثوري للشعب المغربي بتنسيق وثيق مع الشعب العربي في موريتانيا ووادي الذهب والساقية الحمراء.
فالحزب الثوري المغربي يرفض بتاتا كل التقسيمات المفروضة من طرف الاستعمار كما يرفض كل المواقف الشوفينية التي تتخذها البرجوازية والبرجوازية الصغيرة والسياسيون المنافقون المغاربة والرامية إلى جعل تلك الربوع الصحراوية ومن سكانها مستعمرات مغربية. فالنضال الشعبي يجري في خضم المسيرة العامة والطويلة للثورة العربية التي سيتمخض عنها حتما وطن عربي واحد حر ومنتصر. وسيكون ذلك مساهمة حاسمة في تحرير وتوحيد القارة الإفريقية. وأقرب إخواننا في هذا النضال ضد الاوليغاريشيا الكمبرادور عملاء الإمبريالية وضد الإمبريالية الفرنسية والإسبانية ومن أجل طرد الصهيونية، ومن أجل طرد سيدتهم جميعا الإمبريالية الأمريكية، هم إخواننا في الصحراء وموريتانيا. وهذا الكفاح المشترك لشعوبنا الذي سيأخذ أساسا شكل حرب شعبية كما هو الشأن في التشاد، يمكن أن يتجسد في تنظيم جبهة موحدة للتحرير.
(ج) إن المبدأ الأساسي الذي يعتمده تطور الحركة في المغرب هو الجد في تنمية وتجديد القوى الذاتية والقضاء على قوى العدو. أما الأداة الأساسية فهي بناء لجن هياكل النضال (الشعبي) العمالية، في خضم المعارك الجماهيرية، في المعامل والمناجم والضيعات الكبيرة ومجموعات النضال الشعبي في البوادي والأحياء الشعبية.
ويجب على الجماهير الشعبية المنظمة في اللجن العمالية ومجموعات النضال الشعبي أن تدعم قوتها في كل نضال ملموس ضد الاوليغاريشيا الكمبرادور وجهازها القمعي وضد منفذي أوامرها وضد الإمبريالية - مرحلة بمرحلة - بتعلم استعمال طرق النضال الجماهيري والحرب الشعبية سواء في المدن والبوادي وفي المناجم، وهذا باعتبار قواها الخاصة وقوى العدو وعزله كلما أمكن لتسديد الضربات إليه.
كما يجب أن يبرز مناضلو الحزب الثوري أحسن المناضلين في إطار لجان النضال العمالية والشعبية، وأن يصبحوا في إطار هيكل وتنظيم الحزب الثوري وقيادته الجماعية وأداته التنسيقية. وستصبح هذه اللجان وفي إطار مسيرة الثورة نفسها أداة التحرر والاستيلاء على الحكم وإقامة السلطة الثورية وتقويتها، سلطة الديكتاتورية الديمقراطية الثورية للعمال والفلاحين الفقراء.
4) الحزب الثوري
إن حزب العمال والفلاحين الفقراء والمثقفين الثوريين المبني على الإيديولوجية الماركسية-اللينينية المندمجة في الواقع الملموس للبلاد وللثورة العربية، يتشيد بتنظيم المناضلين الثوريين الذين نجوا من قبضة البورجوازية المنافقة أو الذين يبرزون من خلال معارك البروليتاريا الصناعية والمنجمية ومعارك البروليتاريا الفلاحية وشبه البروليتاريا للمدن والبوادي كأحسن المناضلين.
إن هيكلة الحزب تعتمد :
أ ?- على التطبيق العملي لمبدأ المركزية الديمقراطية وهذا يعني التحضير الجماعي والمتمركز - من القاعدة إلى القمة ومن القمة إلى القاعدة، من التطبيق إلى النظرية ومن النظرية إلى التطبيق - للتوجيه الإيديولوجي والعملي للتيار الثوري.
ب ?- على التطبيق الفعلي للامركزية فيما يخص المسؤوليات، ان واجب المناضل هو أن يلتزم بصرامة بمبادئ السرية التامة وبالاختيار الدقيق لمناضلي الحزب على أساس الممارسة النضالية الملموسة وعلى تهييء الثوريين الذين يكرسون حياتهم وكل مشاغلهم لخدمة الثورة.
إن العادات الليبرالية الموروثة عن منظمات وأحزاب البرجوازية الصغيرة والبرجوازية المنافقة يجب أن تشطب في الحين ودون شفقة.
إن التقدم الجماعي للحزب والمناضلين يتطلب ممارسة للنقد والنقد الذاتي كما يتطلب اقتلاع كل نزعة فردية، ويتطلب فهما عميقا للإيديولوجية الماركسية-اللينينية في الممارسة.
منظمة ”إلى الأمام“
الرباط غشت 1970