ثـالـثـةً فـي الـنـقـاش مـع الـرفـيـق "علي شنيفخ"... الاضـطـراب أمـر حـسـن لا سـيء  !


ثـالـثـةً فـي الـنـقـاش مـع الـرفـيـق "علي شنيفخ"... الاضـطـراب أمـر حـسـن لا سـيء
 !

كـتـبـه الـرفـيـق: Omar Alkindi
تحية عالية للرفيق "علي شنيفخ" على تفاعله الجديد المعنون بـ"أخشى ما أخشاه أن تصبح الهرطقة وجهة نظر"، التي أضاف بها العديد من الأفكار إلى بوتقة النقاش الجاري ربما تسهم، في تقدمه إلى الأمام. وإن كان في الحقيقة منطق كل نقاش مثمر أن يسير من العام الى الخاص، من المجرد إلى الملموس، من الأفكار العامة عن الواقع الى ادراك الواقع بتنوعه وغناه وتعقد العلاقات بين عناصره، وبهذا الشكل يثمر النقاش أفكارا وخلاصات جديدة هي أدق وأقرب للمهام العملية. لكن يبدو أن الرفيق علي آثر لي عنق النقاش إلى العموميات والمجردات، مفيدة هي هذه العملية إذا كانت تتوخى إرساء الأسس المنهجية والنظرية للنقاش أو تصحيح مسارها، والرفيق علي قد قام بها ظنا منه -أو للتوهيم على الأقل- أنه يقوم بذلك لهذه الأهداف بالذات. فهل تؤدي العودة إلى العموميات، في نقاش الرفيق علي، هذه الوظيفة بالذات؟ لنمحص الأمر.

ولكن قبل القيام بهذا التمحيص الضروري لا مناص من الإشارة أنه، على مستوى تأطير الرفيق علي لعملية الرد نفسها أصلا، هنالك أشياء لا بد أن ننتبه لها بدقة. إذ في الوقت الذي خصص هذا الجزء لنقاش ما قد طرحناه حول أزمة الحركة الشيوعية ومسألة النضال ضد التفسخ النظري، وأجل ما يتعلق بالحركة الطلابية الى جزء لاحق -نحن بدورنا له منتظرون، وسنوفيه حقه من الدراسة الجادة والنقد المبدئي الرفاقي كما فعلنا لسابقيه- قلنا أنه في الحين الذي خصص الرد هذا للنقاش ذاك، فإنه قد صدّره بإشارتين مهمتين وخطيرتين: الأولى هي خشية الرفيق علي من أن تصير "الهرطقة" وجهة نظر، والثانية هي قصة الطائرة التي سقطت في الحديقة. ولعل الرفيق علي، باستحضاره للفظ "الهرطقة" في هذا السياق، لا زال غير قادر على تحرير النقاش الفكري والسياسي بين مناضلين شيوعيين من أثقال الفكر الديني الذي أفصح عن ذاته في المقال السابق بمفردة "اللغو". إن الهرطقة هي الإتيان بما يخرج المرء عن صحيح الدين وقويم الملة، وهي تهمة واجه بها دهاقنة الإقطاع علماء وفلاسفة العصور الوسطى، وإذا عدنا إلى تقييمات الباحثين الماركسيين لتاريخ الفلسفة نجد مثلا مفهوم "المادية الهرطقية" عند طيب تيزيني في دراسته للفلسفة العربية الإسلامية، كميزة ايجابية لأشكال مبكرة وبدائية من الفكر المادي في هذا التراث الفلسفي. بل أنه حتى تحريفيو أواخر الثمانينات المنتصرين لـ"المجددين الشيوعيين" قد أسموهم، في عملية من المديح بـ"الماركسيين الهراطقة" تمييزا لهم عن "الأرثوذوكسية السوفياتية" كما يحلو للبعض التعبير.

ولكن الرفيق علي هنا يستعمل الهرطقة بمدلول سلبي، إنها كاللغو، بل هي منه أسوأ لأنها لا تحرم صاحبها من أجر الجمعة وثوابها وحسب، بل تخرجه عن الدين كله. فما هي "الهرطقة" التي يخشى الرفيق علي أن تتحول الى وجهة نظر؟ وما هو "قويم الدين وصحيحه" الذي يدافع عنه الرفيق علي؟ وكيف يمكن أن تهزم هذه "الهرطقة" سيئة الذكر، قويم الدين وصحيحه، فتصير، لا قدر الله، وجهة نظر؟ هذه أسئلة سنعرف أجوبتها بعد قليل. نكتفي الآن بالقول أن للنقاش الفكري والسياسي ما بين المناضلين الماركسيين منطقه الخاص الذي لا يحتكم للمنطق الديني، القمعي، السلطوي، الذي ليس أسوأ منه إلا منطق الأستاذية والذي عبر عنه الرفيق علي بدقة في مثاله عن الأستاذ الذي طلب من تلامذته كتابة موضوع عن الطائرة فإذا بأحدهم يكتب عن الحديقة، وفق القصة المعروفة. والرفيق علي هنا، حسب تشبيهه، في موضع الأستاذ، ونحن في موضع التلميذ الذي كتب عن الحديقة. فعودة الرفيق علي للعموميات في جزء منه، يأتي لهذا السياق: عملية تصحيح يقوم بها هذا "الأستاذ"، يكشف بها الخروج عن الموضوع لدى "التلميذ"، في حصة الإنشاء! ولذلك أفرد فقرة كاملة يشرح فيها كيف خرج هذا التلميذ في المثل عن موضوع الطائرة إلى موضوع الحديقة، كي يستطيع فيما بعد اسقاطها لكشف كيف خرجنا -من موقع هذا التلميذ بالذات- إلى موضوع الحديقة، ثم يعيدنا الرفيق علي -من موقع هذا الأستاذ- إلى موضوع الطائرة.

ومؤجلين اإجابة عن سؤال ماهي الطائرة هنا وما هي الحديقة، لا بدل أن نتساءل في أسف: أبهذا التعاطي الأستاذي مع النقاش الفكري والسياسي تتقدم الحركة الشيوعية إلى الأمام؟ لا نظن ذلك، بل نقطع بأن الحركة ستظل محكومة بحلقة رهيبة من إعادة انتاج أزمتها مادام الأخذ والرد في النقاشات الجادة ليس بالنسبة للبعض غير تصحيح لـ"تمارين في الانشاء"، أو جهادا ضد "هرطقة" تخرج عن الدين ويخاف أن تصير في يوم من الأيام، وجهة نظر، خاصة في زمن صار فيه النقاش النظري الذي لا يكتمل إلا بالمعطيات والوقائع (شقه الملموس!) لا يقوم إلا بمن عايش الفترة الفلانية. لا بأس، فهذا كله جيد، فهو يكشف على كل حال الخلفيات الحقيقية في الصراع الإيديولوجي لدى كل طرف وبالتالي يسلط الضوء أكثر فأكثر على مكامن الأزمة والخلل صلب الحركة الشيوعية، ولذلك نمر، دون التوقف كثيرا عند هذه النقطة، إلى طرح الرفيق علي لـ"قويم الملة / الطائرة"، في نضاله ضد "الهرطقة / الحديقة".

تعريف "المناضل" الذي يطرح في هذا النص، جد مثير للاهتمام والانتباه. فهو "الشخص" الذي اختار "بمحض ارادته"(جـديـا؟) الحديث "باسم الشعب" و"باسم الجماهير" وحتى دون الأخذ برأيها، فهو التزام من جانب واحد. ولكن إلى جانب الاستعداد وتقديم التضحيات من أجل انجاح فعل التغيير، من أجل ما سماه الرفيق علي "الحرية والعدالة الاجتماعية" ولكن نجاح هذا الفعل مشروط بمساهمة الجماهير. وهذا تعريف يحيل الى أن المناضل -المتحدث باسم الجماهير- يأتي من طريق والجماهير -التي لم يأخذ برأيها- من طريق فيتلقيان في المنتصف فيتحقق، أخيرا "فعل التغيير". فما يغفله هذا التعريف البديع هو أن وجود المناضلين أصلا، هو نتاج لحركية الجماهير، افراز لنضالاتها، التي هي معطى موضوعي مستقل ليس فقط عن وعي الجماهير وحسب، وإنما عن وعي المناضلين أيضا. فالسؤال الذي يجب الانتباه اليه، ويريد الرفيق علي ابعاد الأعين عنه، ليس فحسب عن التحام المناضلين بالجماهير، وإنما عن مضمون هذا الالتحام الذي يطرح في اطار اشكالية الخط السياسي للحركة الجماهيرية. والإجابة عن هذه الاشكالية ليست انتقالا من حالة "لاوعي مطلق" إلى حالة "وعي مطلق" يكون فيها الخط السياسي الثوري قد تبلور وساد داخل الحركة، أو من حالة "اللاتنظيم المطلق" الى حالة "التنظيم المطلق" فيها يكون الحزب الثوري مكتمل البناء والأركان وحائزا على قيادة الحركة الجماهيرية -وهذا الانتقال المتخيل لدى البعض اشارة خطيرة سنقف عليها بعد قليل- والتي لو كان هنالك بعض الوفاء تجاه المنهجية العلمية فعلا، لطرحت الأمور على أرضيتها كمعطى موضوعي يتم التساؤل عن معضلة الخط السياسي فيها ومضمون ارتباط المناضلين بالجماهير داخلها وفقا للتقدم في حل هذه المعضلة، وليس على أرضية "الشخص" الذي يستيقظ ذات صباح فيقرر الحديث باسم الشعب والجماهير، دون استشارة الشعب والجماهير، فلا تبقى له الا مشكلة واحدة، تصير كل قضايا الكون لديه قضية: كيف يأخذ الرأي والاستشارة التي تضمن مساهمة الجماهير في فعل التغيير.

واذا سألنا الرفيق علي عن فعل التغيير هذا، ماذا يغير وبماذا يغير، قال "تحرير الشعوب من همومها واحقاق الحرية والعدالة الاجتماعية". وليسمح لنا الرفيق بأن نقول له أن هذه كلمات -وإن كانت ناجحة جدا على المستوى التحريضي- فإنها على المستوى النظري، لا معنى لها على الاطلاق. فما هي هموم الشعوب؟ ما هي الحرية؟ ما هي العدالة الاجتماعية؟ إن هذا التعويم، مع كونه مضرا بالنسبة لتقدم النقاش، فانه مفيد وذو مغزى بالنسبة للمنهجية التي يحاول بها الرفيق علي اعادة قراءة وتحديد مهامنا داخل الحركة الجماهيرية، والتي تقوم على تغييب مفهوم الحركة الجماهيرية وجدلية الجماهير والمناضلين وإشكالية الحركة والخط السياسي عبر صورة المناضل الفرد / الشخص الذي يختار اراديا الحديث باسم الجماهير، وتطرح عليه اشكالية الارتباط بها، انه الفتى الذي استيقظ ذلك الصباح السعيد على طعم هذا الاختيار، وذهنه صفحة بيضاء ليست عليها الا شعار: "حرية كرامة عدالة اجتماعية". فتكون مهمته الأولى فردية في ذاته، أي تدمير النزعات السلبية التي تربى عليها في هذا المجتمع الرأسمالي، لكي يكون أهلا للحديث باسم الشعب ! في منطق طارت فيه جميع المفاهيم والمهام والتحديات السياسية والتنظيمية للحركة الشيوعية لصالح هذا المناضل "الفرد" الذي سيملأ، كالإمام الغائب، الأرض نورا وعدلا بعدما ملئت جورا وظلما، يملأها بـ"الحرية والعدالة الاجتماعية". وليس في هذا أي علاقة بالماركسية كعلم للثورة، ولا بتجارب الشعوب المضطهدة وثوراتها، بل ان الماركسية والتجارب الثورية قد أبانت عن افلاس هذا المنطق افلاسا شنيعا.

ان اعادة قراءة مهمة الصراع الايديولوجي، هي النتيجة المركزية لهذا الانقلاب "الجذري". فالنقاش النظري بين المناضلين والتيارات والتفاعل والصراع الفكري بينهم يجب أن يخضع لما تمليه تحديات الواقع الموضوعي: حقل الممارسة، أي أن يكون الصراع الايديولوجي امتدادا لحقل الممارسة. وبما أن الرفيق قد سجل أننا نتخذ من النضال النظري والصراع الايديولوجي مبررا للابتعاد عن: (1) الممارسة الفعلية للصراع الطبقي (2) حقول الصراع (3) ضجيج المعارك (4) حرارة الصراع الطبقي (5) وحدة الحركة العمالية (6) بناء الحركة الجماهيرية (7) فتح آفاق النضال الشعبي. قلنا أنه مادام الرفيق يعتبر أننا لا نطرح النضال النظري ومواجهة التحريفية الا كمطية للابتعاد من هذا كله، فيكون النقاش النظري السليم هو الذي يجيب عن معضلات الممارسة، أي ما يتعلق بالحركة الجماهيرية. ولكن السؤال الخطير الذي لا يطرح هنا هو: هل يمكن طرح مهام الشيوعيين داخل الحركة الجماهيرية بصورة سليمة، خارج اطار اشكالية الاندماج بين الحركة الشيوعية والحركة الجماهيرية؟ وهل يمكن - بجدية - طرح هذه الاشكالية علميا، الا على محور مضمون هذا الاندماج، الذي هو الاجابة الثورية عن معضلة الخط السياسي في الحركة الجماهيرية؟ ان مضمون الاندماج بين الحركة الشيوعية والحركة الجماهيرية هو الذي يلقي الضوء على مجموعة من الاشكالات تعيشها الحركة الشيوعية: نظريا وسياسيا وتنظيميا. وبالتالي فان مهمة النضال النظري، وبناء الوضوح الفكري والسياسي، تكتسي ضرورة مركزية لأنها خطوة على طريق ارتباط الشيوعيين بالحركة الجماهيرية من حيث المضمون، فالمهام السياسية والتنظيمية داخل الحركة الجماهيرية تتقدم وترتقي الى مراحل أعلى مع درجة تجاوز الحركة الشيوعية للتفسخ النظري والضبابية السياسية والتبعثر التنظيمي، ولا هوة من العدم بين وضعيتين لا تعرف كل منهما في داخلها الا بالمطلق: لاوعيا ولاتنظيما / وعيا وتنظيما.

وبالتالي فان الحديث عن النضال النظري وبناء الوضوح الفكري والسياسي ليس "هروبا" من اشكالات الحركة الجماهيرية بل هو استحضار لضرورة الاجابة علميا وعمليا، على أكثر معضلاتها خطورة. كما أنه ليس اغفالا للشروط الموضوعية التي تناضل داخلها الحركة الشيوعية بل ربط علمي لهذه الشروط، بالشروط الذاتية التي تمنع الحركة الشيوعية من ممارسة التأثير الفعلي فيها. أما اذا كنا لا نرى سوى الشكل والمظهر، فسيبدو لنا الارتباط بالجماهير مجرد تواجد مناضلين في هاته المعركة الجماهيرية أو تلك -وهو أمر نثمنه- من عدم وجودهم، ويبدو لنا النقاش "النظري" هو السؤال عما سيفعله هؤلاء المناضلون في الغد أو بعد الغد، في اطار تلك المعركة. بل ويبدو لنا العمل الجماهيري هو الأول والآخر، الظاهر والباطن، بل هو الممارسة "الفعلية" للصراع الطبقي الذي تعدو معه كل ممارسة اخرى، ممارسة "وهمية" للصراع الطبقي. انه تقزيم للنظرية كما هو تسخيف للممارسة، في عملية يرسم معها الرفيق علي صورة خصم وهمي هو دعوت"نا" الى الانسحاب من حقول النضال الجماهيري وبناء وحدة الشيوعيين بعيدا عنها (ومن قال ذلك؟) ليقدم دعوته الخاصة: الابتعاد عن الأسئلة الملحة للحركة الشيوعية والانغماس في النضال الجماهيري الذي لا يجب أن يكون النقاش النظري الا على أساس الاشكالات التي يطرح، والمقصود بها فقط الاشكالات اليومية.

أما النضال ضد التفسخ النظري فليس مشروعا لدى الرفيق علي الا عبر طرح اطار نظري جديد، كما هو لدى "الماويين والتروتسكيين" يتم عبره تحديد جديد لمهام المرحلة وطبيعة الثورة ! أي أننا نحن الذين نتبنى الماركسية-اللينينية، لنا فهم واضح لاطارنا النظري "القديم"، لنا تحديد دقيق لمهام المرحلة، وكذلك لطبيعة الثورة، فتكون عقدة اختلافنا مع الآخرين هي الاطار النظري الذي حلوا به، بدورهم، اشكالية التفسخ النظري لديهم وفهموا مهام المرحلة وطبيعة الثورة من منظور آخر. ان هذه الصورة من الاتفاق والوئام التام بل والوضوح في كل شيء، انما يراد بها الايهام بأن قضية قضايانا الآن هي كيفية تجسيد هذه المهام الواضحة، التي يحددها هذا الاطار النظري الواضح، في الممارسة العملية اليومية. انها اطروحة "تنزيل الشعارات الى الواقع" كمشكلة مركزية للحركة الشيوعية كما هي لدى تيار "البديل الجذري" مثلا، والتي تتكامل مع تأويل أي حديث عن النضال النظري وبناء الوضوح الفكري والسياسي باعتباره هروبا من الممارسة، وأن الاشكالات التي يجب أن تطرح ليست الا الاشكالات التي تطرحها الممارسة، حسب فهم أصحابها طبعا للممارسة. واذا وددنا ألا تقع نقاشاتنا في التكرار، وأن نخط طريقا يستثمر ما راكمته الحركة ليبني الجديد، نحيل الرفيق - وأي مناضل متتبع للنقاش - الى احدى الوثائق التي طرحت في خضم الجدال حول تيار "البديل الجذري" وهي "طريقان أمام الحركة الماركسية-اللينينية المغربية: نقد الأسس الفلسفية لتيار البديل الجذري المغربي" تناقش هذه القضايا بالذات حول النظرية والممارسة والشعارات والواقع، ولعلها أعمق منا وأدق في هذا النقاش.

وعلى هذا الأساس السابق: لم يستطع الرفيق علي التمييز بين بناء الوضوح الفكري والسياسي، والذي هو مهمة تفرضها الشروط الحالية للحركة الشيوعية، وما بين مواجهة التحريفية وهي مهمة تستمر حتى في المجتمع الاشتراكي نفسه، وان كانت الثانية متضمنة في الأولى. وعلى أرضية غياب هذا التمييز يمكن للرفيق علي شنيفخ أن يتوهم بأننا ندعو المناضلين الى الانسحاب من حقول النضال الجماهيري لأجل مواجهة التحريفية، واننا نتخذ هذه الأخيرة "شعارا مرحليا" (أين ؟!) كي نهرب من ضجيج المعارك وحرارة الصراع الطبقي -تعبيرات مخففة لعبارة "حرائق الميدان" المحبوبة "جذريا"- في حين أن الاشكال ليس سوى تطبيق الشعارات على أرض الواقع، أي فيما تطرحه "الممارسة". وبالتالي قد أعلن لامشروعية هذا النقاش نظرا لأنه لا يخدم غير أهدافـ"نا" في مواجهة "العطالة الثورية". ولكن المشكلة الكبرى، هي أن الداعين حاليا لترك النضال النظري جانبا و"النزول الى الميدان" بمختلف تلاوينهم، هم أشد من يعاني من "العطالة الثورية" والأبعد عن النضال الميداني والحركة الجماهيرية. اللهم ان كان العمل الحقوقي حتى هو "شغلا ثوريا" تكون ازاءه "العطالة الثورية" أقبح القبائح.

وهكذا نكتشف معنى الهرطقة بنظر الرفيق علي: أن ننتقد الوضع الحالي، أن ندعو الى تجاوزه، أن نناضل من أجل تحقيق الأفضل، من أجل أن يكون نضالنا الميداني نفسه موجها ومنظما، من أجل الوضوح الفكري والسياسي ومن أجل الصلابة التنظيمية وتجاوز وضعية الميوعة والتفسخ الحاليين، وهذه هي الحديقة. أما قويم الدين وصحيحه: أن تقوم بتوثين هذا الوضع وتقديس العفوية، عدم طرح أي نقاش عن الآفاق النهائية لأنه ليس غير تهرب من الميدان، وهذه هي الطائرة. ونحن من جهتنا نؤكد أن الحركة الشيوعية لا يمكن أن تظل في هذا الوضع للأبد، وأن "الهرطقة" ستتحول فعلا فيها الى وجهة نظر، ولسوف نجتهد ونسعى، أن يتحقق ذلك. فلا داعي للخوف من "الهرطقة" والسجال الفكري حتى وان كان فيه ما قد لا يرضي أحد أطرافه، ان الاضطراب أمر حسن، فمنه يولد النظام، كما قال ماو منذ 1957. وهذا سجال أفكار، وأخذ في الرد في الأفكار، لذلك لا بد على الرفيق شنيفخ من اقامة تمييز، ابستيمولوجي على الأقل، ما بين هذا النقاش وما بين مدونة "الماركسيين اللينينيين المغاربة" التي يصر الرفيق الى نسبنا اليها، وكأنها بوابة اعلامية لتنظيم معين.

اننا لا ندعو الرفيق علي الى النقاش بغرض مصارعته شخصيا، بل من أجل نقاش أفكار وأخذ ورد سينعكس لا محالة، ايجابا على الحركة الشيوعية، عبر تجاوز مجموعة من الأفكار الخاطئة التي تعيق تقدمها، وذلك من ثقتنا بأن الرفيق علي قادر على أخذ الموضوع بالقدر الذي يستحق من الجدية والمبدئية. ولا ندعو المناضلين الى الانسحاب من حقول النضال الجماهيري بل نشجع بقوة على الانخراط فيه ونتحرى ذلك، ولكن نقول أنه يمكن انجاز الأفضل، أن يصير هذا النضال موجها ومنظما وهذا ما لا يتأتى الا عبر مواجهة الاشكالات الحقيقية للحركة الشيوعية: نظريا وسياسيا وتنظيميا. أما الذين لا يقدرون على الخروج عن اطار تكريس العفوية وتقديسها، والاستهزاء من النقاش النظري ومواجهته بالدعوة المتكررة الى "حرائق الميدان"، فاننا ندعوهم الى تجاوز كل خلاف شخصي، كل حساسية قديمة، والدخول أفواجا في تيار "البديل الجذري" فلربما هذا ما سيمكنهم من ترجمة فهمهم بشكل أكثر وضوحا وتنظيما، ويرجع بالفائدة على الحركة الشيوعية بعد أن تكون أقنعتهم قد سقطت وتكشفت للجميع أهدافهم الحقيقية.

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا