رد عــلــى رد "علي شنيفخ".. للـــتـــو بـــدأ الـــنـــقـــاش


Omar Alkindi
رد عــلــى رد "علي شنيفخ".. للـــتـــو بـــدأ الـــنـــقـــاش
في خضم الجدال الذي أحدثته دراسات سيغموند فرويد في علم النفس بدايات القرن العشرين، أصدر ثمانية من الأطباء النفسيين سنة 1949 المنتمين للحزب الشيوعي الفرنسي بيانا بعنوان "التحليل النفسي ايديولوجية رجعية" عكس الموقف السائد للشيوعيين من هذه الأبحاث، ورغم الجهود المبذولة من طرف الكثيرين -وبوليتزر من بينهم- لإيجاد "نقطة توافق" ما بين المادية التاريخية والتحليل النفسي فإن هنالك سورا بينهما لا يمكن تجاوزه: ففي حين تبحث الماركسية للأفكار عن جذورها الطبقية ومضمونها السياسي والاجتماعي، تتجه الفرويدية نحو تفسير هذه الأفكار بالحياة النفسية اللاشعورية للأفراد، بمعزل تام عن الطبقات وصراعها في مرحلة تاريخية محددة. ويبدو أن الحركة الشيوعية في المغرب قد تسرب إليها منطق التحليل النفسي والقراءة السيكولوجية والفردية للنقاش الفكري والسياسي، وللصراع الايديولوجي عامة. والتسرب هذا والقراءة هاته، هي من مظاهر التفسخ النظري صلب الحركة الشيوعية: أن يجري تفسير نقاش، أو خلاف، أو نقد، أو تبادل في الأفكار، بعقد نفسية أو مشاكل شخصية بين فلان وعلان. فكيف ستتقدم الحركة، بهذا المنطق، في نقد الأفكار الخاطئة وتثبيث الأفكار الصحيحة؟ كيف ستتجاوز وضعية التفسخ النظري والضبابية السياسية والتبعثر التنظيمي؟ ولنكن صرحاء وقساة على أنفسنا في نقطة "التحليل النفسي" هذه: إنْ كان من شيء سيقضي علينا هو هذا.
وفي هذا الصدد نجدنا مجبرين على الإتيان ببعض التوضيحات، لأشياء كنا نظنها، واهمين، واضحة: أن الحديث عن الشخص الذي تناقشه، ليس إلا شكليا. فحينما ناقشت الرفيق علي شنيفخ وأتيت على تكرار اسمه في مواضع متعددة في المنشور، فهذا لسبب بسيط لأنني أخوض النقاش مع شخص محدد هو الرفيق علي، وأناقش نصا محددا هو منشور الرفيق علي، والذي هو في آخر الأمر، أفكار وأطروحات ورؤى أعمل على مناقشتها والرد عليها. وليس في الأمر-تكرار الإسم- من مشكلة شخصية إلا إذا كنا نمتلك "الشجاعة" الكافية لإعادة النظر في بعض كلاسيكيات الماركسية لهذا السبب: تكرار الإسم. فلربما كانت مشكلة انجلز مع دوهرينغ شخصية فكتب "ضد دوهرينغ - الهر أوجين دوهرينغ يقلب العلوم" وهو كتاب تكرر فيه اسم دوهرينغ مرارا، ولربما كانت مشكلة لينين كاتب "الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي" شخصية مع كارل كاوتسكي... وما إلى ذلك من تراث الجدالات النظرية والسياسية التي عرفتها الحركة الشيوعية العالمية وتشكل لنا رصيدا نظريا جوهريا، فبالأحرى بضع مناقشات بسيطة وتبادل أفكار حول الحركة الطلابية والقاعديين في مرحلة دقيقة للحركة الشيوعية فيها متطلبات جدية وملحة، يجب أن نكون في مستوى انجازها. إن هذا الوضع يطرح أمامنا طريقين: فإما أن نفسح باب الاستمرارية والتطور للنقاش عبر التركيز أكثر فأكثر على الأفكار والمواقف لتمحيصها ونقدها، وإما أن نعمل على لجمه وإغلاق الباب أمامه عبر حرفه في المنحى الشخصي والسيكولوجي، ولعل الرفيق علي قد سلك خطوات جدية في الطريق الثاني.
فضلا عن شيء آخر هو من البديهيات، يتمثل في كون أي مناضل يطرح منشورا أو تعليقا على هذا الفضاء، فلأجل التفاعل معه، مناقشة، نقدا، تصويبا، تطويرا، إغناء... وكل ما يمكن أن يخدم مهمة بناء الوضوح الفكري والسياسي داخل الحركة، وهو الهدف أصلا من طرح أي فكرة في أي فضاء آخر. فلا معنى لاستغراب الرفيق علي بقوله: "والحقيقة أنني لم أفهم ما الذي استفزه بالضبط في مضمون المقال حتى يتحمل هذا العناء، مع منسوب زائد من اللغو". لأن وجود مقال بحد ذاته له يحوي مضمونا وأفكارا تستحق النقاش، هو نفسه يستفز أي مناضل غيور على تقدم الحركة الشيوعية ليبذل العناء للتفاعل معه والرد عليه. أليس الفتور وضعف الهمة في الصراع الايديولوجي والأخذ والرد، يشكل جزءا كبيرا من مصائبنا / أزمة الحركة الشيوعية؟ ولو كنت محل الرفيق علي لاستقبلت أي رد بالترحيب، سواء كان في محله أم غير محله، فكشف مضمونه ونقاشه في جميع الحالات يشكل قيمة مضافة للحركة. اللهم إن كنا نعتقد أن الهدف من منشور معين هو تلقي التصفيق والمشاركات وإشارات "أعجبني" وتعليقات تتراوح بين "تحياتي العالية" و"واصل"، ولا شك أن اشارات كهذه قد تشجع صاحبها على الاجتهاد، ولكنها لا تقدم للحركة شيئا، ان لم نقل أنها تعمق الأزمة وتغذيها. وفي هذا الصدد يكون استعمال الرفيق علي لمفردة "اللغو" ذا أهمية بالغة وهو يستغرب من قيامي بالرد على منشوره. وهذه نقطة قد حسمها مالك بن أنس في الحديث الذي رواه عن أبي الزناد عن الأعرج: "اذا قلت لصاحبك أنصت والامام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت (...) ومن لغا فلا جمعة له".
أما بخصوص التأني الذي يوجهنا الرفيق علي للعمل به قبل الرد على منشوراته، فمن الواضح أننا نتخذ منه القدر الأقصى وذلك يظهر من خلال تحليل أفكار المنشور واحدة واحدة، وتقليب كل فكرة على مختلف أوجهها فلا ننتقل الى اللاحقة حتى نوفي قبلها السابقة، ما عدا اذا كان الحد الأدنى المطلوب من التأني عند الرفيق علي هو ألا ترد على منشوراته اطلاقا. وليس في الأمر من "نزعة برجوازية صغيرة" عبر عنها الرفيق علي بالعامية "فلان نشر شي حاجة وأنا رديت عليه ههه" لأنه في هذه الحالة سيكون حتى رده هذا غير ذي مشروعية على الاطلاق. فهو أصلا يتناقض بالطول والعرض، مع ما أجاب به الرفيق علي أول مرة على ما علقت به على منشوره "القاعديين" قائلا : "سي ايلياس انصحك باعادة قراءة المنشور اعلاه وساجيبك كما اجبتك سابقا عن كل اسئلتك بخصوص القاعديين،رغم ان كل ما اعرفه انك لا علاقة لك بالقاعديين، للاشارة انا اتحدث من موقع حددته لنفسي اتمنى ان تفعل انت كدلك، وسيستقيم النقاش اكثر وقبل ذلك قم بنشر ورقة 96 حتى تعم الفائدة ويطلع الجميع عليها". وهذه عبارة تعني أنه لا يمكن للرفيق علي أن يرد على تلك التعاليق مادامت مبنية أصلا على تسرع وسوء قراءة لمنشوره من جهة، ولأن صاحبها لم يحدد موقعه وكل ما يعرفه عنه أنه لا علاقة له بالقاعديين، من جهة أخرى. ولكن الرفيق علي ما فتئ أن حرر هذا الرد الذي يطعن في "رده" الأول، فهل نرفع نحن أيضا راية الحجر على الأخذ والرد في النقاش الفكري والسياسي بدعوى أنها نزعة برجوازية صغيرة، لا تختلف فيها من حيث الجوهر، صيغة "فلان نشر شي حاجة وانا رديت عليه" عن صيغة "فلان رد عليا وانا عاودت رديت عليه". وهذه طريق لن تأخذنا الى أي مكان.
ولنعد تلخيص التعاليق/ المقال الذي قمنا به بالرد على منشور الرفيق علي لنموضع النقاش في موقعه : (1) رفض لغة "المواقع" ومنطق "المواقع" والتأكيد على الطابع السياسي للصراع (2) نقد رفض الرفيق علي لما يسميه ب(منهج الأغبياء) ولغة الأرقام (3) التذكير بالحادث الاصلي في فاس الذي ولد النقاش كله، والذي جرى التهرب من ادانته (4) نقد العلاقة المفترضة التي يقيمها الرفيق علي بين حرب الأرقام وأزمة الحركة الشيوعية (5) بيان الفهم المقدم للاستقلالية التنظيمية وتناقض خلاصاته العملية مع احدى مشاركات الرفيق علي التي تتحدث عن "بقايا 94". هذه عموما أهم الأفكار التي أتينا على طرحها. فكيف رد الرفيق علي شنيفخ عليها ؟ انه يوطئ اجابته هذه بفهم غريب وفظيع لمفهوم "التفسخ النظري" يود أن يجعل منه أي نقاش نظري كيفما كان باطلا. فهو يتحدث عن "التفسخ النظري" كمفهوم "وجدته غريبا شيئا ما"، والأخطر من ذلك : "كاشارة لما كتبته".
وانطلاقا من "كاشارة لما كتبته" يعمل الرفيق على رسم تصنيف وهمي هو تحصيل حاصل، ما بين التفسخ النظري والنقاش النظري. فيصورنا ندخل نقاشاتنا في اطار النقاش النظري، ونقاشات غيرنا في اطار التفسخ النظري، والحق أن هذا الرأي هو المعبر الأقبح عن التفسخ النظري صلب الحركة الشيوعية. فهذا الأخير، نعني التفسخ النظري، ليس ميزة تسم نقاشات فرد أو مجموعة أو حلقة أو تيار أو تنظيم، بل هو واقع تعيشه الحركة الشيوعية ككل، حتى من خلال النقاشات النظرية تخاض داخلها. فقط النظرة التجزيئية الاحالية للحركة الشيوعية الى مناضليها أو مجموعاتها يمكن أن تقسمهم وتقسمها الى طائفة لها الوضوح كله، وطوائف لها التفسخ كله. والسؤال الذي يطرح هو : كيف يسهم النضال النظري، من داخل شروط التفسخ النظري، في تجاوز التفسخ النظري ؟ أي كيف يخرج الوضوح من داخل الضبابية ويتجاوزها في الحركة الشيوعية، بحيث يمكن استثماره على المستويات السياسية والتنظيمية للتقدم بها الى مرحلة أعلى ؟ وعلى قاعدة هذه الاشكالية لا معنى للقول، أننا نشير الى ما كتبه الرفيق علي باعتباره هو التفسخ النظري، لأنه آنذاك سيكون الحل لأزمة الحركة الشيوعية أسهل مما نتصور، أي التقوقع على الذات والحلقية المقيتة.
ومادام الرفيق علي لا يحب بالطبع واقع الحلقية، ويسعى الى تجاوزه، فان له البديل بالطبع. فحفظ الكتب والمقولات وترديدها ليس نقاشا نظريا، وحفظ قوانين الجدل ليس نقاشا نظريا، واتهام الآخرين وسحلهم بلغة شاعرية ليس نقاشا نظريا. وفي هذا نحن متفقون، ليس فقط مع الرفيق علي، حتى مع الأحزاب الاصلاحية التي تكيل لنا هذه التهم صباح مساء : الماركسية ليست عقيدة جامدة، لا ينبغي حفظ الكتب والمقولات...الخ من جمل سهلة الترديد. ان النقاش النظري يجب أن ينضبط لمفهوم النظرية الذي أكد فيه الرفيق على جانب المعطيات والوقائع المادية، الشق الملموس التي هي لدينا غائبة. فمن أين نأتي بالمعطيات ؟ ما هو مصدر المعطيات التي غابت لدينا فكان بذلك نقاشنا "غير نظري" ؟ الجواب نعرفه بسرعة من خلال النقطة الأولى التي ينقل عبرها الرفيق علي ملاحظة غياب المعطيات هاته الى أرض الواقع عبر نقاشات الحركة الطلابية. والتي يقول فيها : "أنت تعلم يارفيقي العزيز أنني من خريجي جامعة فاس وتجربة الطلبة القاعديين هناك وبالضبط في فترة ما بعد 96، وبما انك صحبة أصدقائك آثرتم في أكثر من مناسبة موضوع وجهة نظر ظهرت سنة 96 موجودة بفاس ولازالت إلى حدود كتابة هذه الأسطر، أجد نفسي معنيا بنقاش هذا الادعاء، وهنا الفرق بيني وبينك؛ فالمسؤولية الأخلاقية تجاه المناضلين القاعديين في المرحلة الراهنة بالإضافة إلى المشروعية التاريخية التي استمدها من انتمائي للتجربة في الموقع في تلك الفترة يؤهلاني دونك في الإدلاء بدلوي، على عكسك أيها الرفيق العزيز. فأنت لا تعرف عن القاعديين إلا ما وصلك بالعنعنة وتحاول لعب لعبة مكشوفة. جربها العديد من قبلك." فالفرق بيننا وبين الرفيق أنه درس بفاس ما بعد سنة 1996، مما يعطيه "مشروعية تاريخية" تؤهله "دوننا" للادلاء بدلوه، على عسكنا، فما وصلتنا من "معطيات" الا عن طريق العنعنة.
وهكذا يخلص الرفيق علي عمليا أن المعطيات تأتي من عنده، وأنه هو الذي يمكن أن يعطي للنقاش صفته النظرية باعطائه جانب المعطيات (الشق الملموس)، فلا حق لنا بالحديث عن وجهة نظر 96 الا اذا أكد لنا هو وجودها، بالروايات التاريخية. وهذا يعني أنه ليس للرفيق أي مشكلة مبدئية مع العنعنة - لأنها على كل حال، فكرة اثباث الواقعة عبر روايات الأشخاص المتناقلة، الرفيق علي سيكون في هذه الحالة واحدا منهم لا أكثر ولا أقل- ولكنه فقط يطلب أن تكون صادرة عنه، أن نعنعن عن الرفيق علي وليس عن مناضلين آخرين ! وهذا الرأي سيجعل الماركسية في نهاية الأمر غير ذات جدوى. ولنطرح السؤال : هل يمكننا مناقشة ثورة أوكتوبر ؟ هل يمكننا دراسة الثورة الصينية ؟ هل يمكننا تقييم الصراع داخل الحملم سنوات 70-79 وبعد ذلك، أم أن قياديي حزب "النهج الديمقراطي" هم اليوم أحق منا بهذه العملية ؟ ان هذا المنطق سيؤدي من التحول عن دراسة المواقف والأطروحات والأفكار والخط الفكري والسياسي عامة، نحو الاحتكام الى "حوزة علمية" لها علم ما كان وما لم يكن، بل وما لم يكن لو كان كيف كان ليكون. وليسمح لنا الرفيق علي لنقول، أن نقاشات "المشروعية التاريخية" و"تؤهلني دونك" لا علاقة لها بالماركسية من قريب ولا من بعيد، وهي ضارة ورجعية بالنسبة لمهام للحركة الشيوعية.
وأما قضية المنهج والتسلسل الكرونولوجي، فلا أعتقد أن الذي أثارها مجددا قد استوعب شيئا من الفكرة التي طرحت بصدد المضمون السياسي الأهم والمحدد في مناقشة الاتجاهات التحريفية التي انشقت عن النهج الديمقراطي القاعدي، فحين نقول أن وجهة نظر الكراس 1984 ظهرت بعدها الكلمة الممانعة سنة 1989، فنطرح الشروط الجديدة التي أملت هذا الانشقاق الجديد، وعلائق الاستمرارية النظرية والسياسية وكذلك نقاط التمايز بين الاتجاهين. فأي متعة في ذلك ؟ واي قدرة لها في تبرير الحاضر في الوقت الذي يكون فيه التصنيف بين الاتجاهات والتيارات على أساس مضمونها وتصوراتها في الحاضر، والتي تجعل قراءة الماضي ممكنا، لا العكس ؟ أم أن المشكل في ما بعد 1990، كما ذكرنا في السابق ؟ أو قل أن المشكل بالتحديد في وجهة نظر 1996 لا في غيرها. وهنا نعود لنذكر بمشاركة منشور الرفيق ابراهيم الرحاوي الذي يتحدث فيه عن "بقايا 94" و"تحريفية 94". فليس الحديث عن معضلة المنهج والكرونولوجية وما الى ذلك الا تطبيقها لشعار : مهاجمة أكبر عدد من الناس لحماية قبضة منهم.
بعد كل هذا يجري الانتقال الى فكرة غريبة وخطيرة : "لا وجود للقاعديين من دون وجود للحركة الطلابية". وهذا صحيح، فالقاعديون يتحددون أصلا كنهج ديمقراطي داخل الحركة الطلابية، في مواجهة النهج البيروقراطي. ولكن استحضار هذه الفكرة هنا ليس غير حق أريد به باطل : لا وجود للقاعديين من دون وجود للحركة الطلابية بالفهم الماركسي للحركة، (اما إذا حدث وان تواجد "قاعديون في غياب الحركة الطلابية فاعلم أن هذه الكائنات المتواجدة لا علاقة لها بالقاعديين). فهنا الرفيق يتجه اما الى الخروج من "باب واسع" عبر نفي وجود القاعديين أصلا حاليا عبر نفي وجود الحركة الطلابية (بالفهم الماركسي للحركة !!) وهذه مصيبة، واما الى حصر هذا النفي في مواقع محددة "لا توجد فيها الحركة الطلابية" فتكون "الكائنات" المتواجدة فيها لا علاقة لها بالقاعديين، وهذه ستكون طامة عظمى، ولكنها على كل حال متسقة مع فكرة الرفيق علي السابقة عن الحركة الطلابية بما هي مجموع مواقعها النضالية. والمهم أن خلاصة هذا كله هو تنبيه الرفيق علي ايانا للتعاطي مع الحركة الطلابية وفق علاقتها بالحركة الجماهيرية، أي انه من داخل الحركة الجماهيرية يمكن للماركسيين-اللينينيين ربط الصلة بالحركة الطلابية، وهذه أيضا فكرة صحيحة مبدئيا، وفي حدود ما هو عام، ولكنها أيضا، مدخل للتنظير لسخافات جديدة.
أول ما يجب أن نوضحه في معرض الرد عليها هو أنه لا يوجد أي تنظيم، هلاميا كان أم حديديا، باسم "الماركسيين اللينينيين المغاربة" ينسبنا الرفيق اليه. ولعل الأمور اختلطت عليه فصارت مدونة الكترونية بهذا العنوان بالنسبة له تنظيما، والا صارت التنظيمات بعدد الصفحات والمدونات. ولعل الرفيق لا يزال يفكر بمنطق - هو الآن ينتقده - البوابة الاعلامية العلنية التي تخلق التنظيم، ولعل هذه هي "المشروعية التاريخية" الحقيقية ليس دونها شيء، أي في تحليل الأمور بهذه الطريقة. وما لبست "جلباب الطالب القاعدي" لأنه لا تربطنا الآن اطلاقا وبالقطع أية صلة تنظيمية بالنهج الديمقراطي القاعدي - والمقصود هنا فعلا النهج الديمقراطي القاعدي، بخطه الفكري والسياسي والتنظيمي والبرنامجي، لا بالاسم واللغة - ولا بأي طرف سياسي داخل الجامعة. ان الرفيق علي يسوق هذين الادعائين ليخنق النقاش بفكرة طريفة : تنظيم "الماركسيين اللينينيين المغاربة" لم يحارب التحريفية في باقي قطاعات الحركة الجماهيرية وانهمك في محاربتها داخل الحركة الطلابية، فاكتشفت ان وجهة نظر 96 هي سبب اعاقة "المسار الثوري" بالمغرب، وكان بذلك يتبنى فكرة الطليعة التكتيكية دون أن يستطيع الافصاح عنها والدفاع عنها. وينصح هذا ((التنظيم)) بالتوقف عند التقاطع بين الحركة الطلابية والحركة الجماهيرية كما يطرحها البرنامج المرحلي. وعلى هذا الأساس يكون الحديث عن وجهة نظر 96 أو مناقشها غير مشروع بالنسبة للماركسيين اللينينيين خارج الجامعة.
ما يغفله هذا المنطق الميكانيكي هو أن اخراج الحركة الجماهيرية من أزمتها نفسها هو مهمة الحركة الشيوعية، ومادامت هذه هي الأخرى في أزمة، ومادامت هذه الأزمة تتحدد في المرحلة بالتفسخ النظري والضبابية السياسية والتبعثر التنظيمي، فان المطروح حاليا هو بناء وحدة الشيوعيين وحدة فكرية وسياسية وتنظيمية، على قاعدة الوضوح الفكري والسياسي الذي هو مدخل احقاق هذه الوحدة. وبناء هذا الوضوح لا يتسنى دون رسم خطوط تمايز واضحة مع الاصلاحية والتحريفية والانتهازية، سواء كانت خارج الجامعة أو داخلها : التمييز المبدئي بين الثوريين والتحريفيين لا يزول بمجرد خروج المناضل من أسوار الجامعة، فيتنكر لكافة النضالات الايديولوجية والسياسية التي رسمت خطوط التمايز مع التحريفية، ويعلن أنها كانت مجرد صراعات "ذاتية" و"شخصية" و"صبيانية". يجب الانطلاق من الرصيد النظري للحركة الشيوعية سواء لدى الحملم سنوات 70-79 أم لدى القاعديين من 1979 الى الآن، والارتكاز عليه للتقدم أماما في بناء الوضوح الذي تحتاجه الحركة. ان النزوع نحو لي عنق الحركة للوراء هو من عوامل اعادة انتاج التفسخ النظري وتغذيته داخل الحركة الشيوعية، وضمنه النزوع نحو نبذ أي موقف من التحريفية اذا كانت داخل الجامعة بدعوى العلاقة بين الحركة الطلابية والحركة الجماهيرية، لأن هذه النظرة لن تؤدي لحل أزمة حركة التحرر الوطني وبالتالي ستسهم في تعميق حتى أزمة الحركة الطلابية نفسها. وهي التي تنسجم أكثر مع النزوع نحو التمديد كما تحدث عنه الرفيق علي، لأنه ازاء ذلك ستكون مهمة بناء وحدة الشيوعيين تنظيمية محضة. وسيكون سقوط الاستقلالية التنظيمية عن القاعديين، فعلا ممكنا بمجرد وجود تيار ماركسي لينيني، وهو ما فعلته التيارات المنصبة ذاتها تيارات ماركسية-لينينية، فأعلنت سقوط الاستقلالية التنظيمية عن القاعديين بوجودها كما يشير الرفيق علي في منشوره السابق، وعلى كل حال فهذه النقطة ليست سوى تحصيل حاصل لمجمل محاججة الرفيق علي بصدد تحريم مناقشة القاعديين وتيار 96 وما يتصل بذلك.
وذلك لينتهي الى فكرة متبذلة يقول فيها : "....خامسا وهذا رأيي الشخصي فانا اعتبر كل التجارب الموجودة في جميع المواقع الجامعية التي لا زالت تدافع على البرنامج المرحلي جزء من تجربة القاعديين." وأسئلة بسيطة نطرحها هنا : لماذا لا يكون أنصار الكراس جزءا من تجربة القاعديين ؟ لماذا لا يكون أنصار الكلمة الممانعة جزءا من تجربة القاعديين ؟ لماذا لا يكون انصار "التوجه القاعدي" جزءا من تجربة القاعديين ؟ ما الذي يحصر هذا "الانتماء المشترك" فيمن "يتبنى" البرنامج المرحلي دون غيره ؟ ما الذي يحرم هذه التيارات من الانتماء الى القاعديين ما دامت ترفع هذه التسمية ؟ ما الذي يجعل من البرنامج المرحلي المحدد للنهج الديمقراطي القاعدي، في الوقت الذي ليس هذا البرنامج غير تكثيف للبرنامج الديمقراطي العام فيتغير مضمونه جذريا، بتغيره ؟ كيف تكمل هذه "الطوائف القاعدية" في اطار نظام تعايشها داخل "تجربة القاعديين" بعضها البعض ؟ أسنخلص أخيرا لأن القوى السياسية هي "قوى رجعية انتهازية اصلاحية ذات ممارسة انتهازية" ؟ أما صد المد الشوفيني والظلامي في اطار علاقة التأثير المتبادل فيصح على الحركة الطلابية برمتها، فلا تختزل في أطراف ((تتبنى)) البرنامج المرحلي بل ان الحركة الطلابية لا تختزل في أطرافها السياسية اطلاقا، الا بالنسبة للبيروقراطية داخلها. ان هذه النظرة تنتهي الى تضبيب كل شيء، الى تعميق التفسخ النظري، كما أشرنا سابقا.
ان مبادرة التفاعل والأخذ والرد في الأفكار والمواقف في هذا الموضوع لا شك أنها ترجع بعظيم الفائدة على الحركة الشيوعية ومستوى وعي المناضلين بمهامهم النظرية والسياسية والتنظيمية. فلا يمكن تقزيم مثل هذه النقاشات الى "التراشق على صفحات الويب" الذي يقول الرفيق علي أنه ليس من هواته، وهي ملاحظة ثبثها الرفيق في ختام منشوره في دعوة صريحة لايقاف النقاش بافقاده لمشروعيته وانزاله الى مستوى من العبث و"التراشق". لأن المضمون يبقى دائما هو الأهم، وعلى أساسه يبنى الوضوح الذي هو فكري وسياسي وليس شخصيا أو فرديا كما عبر الرفيق علي في رده على الرفيق سعيد أحنصال. ان الوضوح ليس أن تتحرى النقاش مع رفيق باسمه الشخصي متجاوزا اسمه الفيسبوكي مثلا، أو أن تكشف قناعا "فيسبوكيا" عن اسم حقيقي، تلك محاججة لا معنى لها على الاطلاق. هنالك أهداف كبرى أمامنا، اشكالات نظرية وعملية، صعوبات وعراقيل وشروط موضوعية يحسب لها الحساب، متطلبات نضالية يجب أن نكون في مستواها، مهام يجب أن نرقى الى القدرة على انجازها كشيوعيين، ولكن قبل ذلك كله يجب أن نكون على الأقل... شيوعيين.

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا