‎الحسن احنصال‎: ماهية العلاقة الرفاقية


‎الحسن احنصال‎
ماهية العلاقة الرفاقية.
في الأصل جاءت عبارة "رفيق" لتلغي أي تفاوت في الرتب والألقاب داخل التنظيم الذي يطمح أن يكون ثوريا، فلا فرق بين دكتور في الطب أو مهندس معماري أو أستاذ مُبرّز في الرياضيات وبين عامل في مصنع أو فلاح في حقل أو طالب عاطل عن العمل، بين المتعلِّم المُطّلع على أمهات الكتب ومن لا يجيد القراءة والكتابة، مادام يجمعهم الإنتماء لفكر واحد ويوحّدهم الإيمان بذات الهدف؛ فكر الثورة الماركسي-اللينيني وهدف التحرر الوطني والطبقي وما يفرضه هذا الانتماء بالضرورة على الشرائح والعناصر البرجوازية الصغيرة من شرط الانتحار الطبقي مع الكادحين والانضباط الحديدي للقرارات التي يتم اتخاذها بشكل جماعي بعد نقاش ديمقراطي من الخلية كأصغر وحدة تنظيمية وصولا إلى المؤتمر كأعلى جهاز تقريري في إطار المركزية الديمقراطية.
يتبدّى مبدأ النقد والنقد الذاتي خيطا ناظما لهذه العلاقة "الرفاقية"، بما يضمنه، بل ويحضُّ عليه، من عدم الركون للمُسلّمات البديهية، ورفض الامتثال لأي قرار فوقي إلا بعد نقاش مستفيض قوامه الإقناع والاقتناع. فلا قدسية لأي شعار مهما لمع بريقه، ولا سلطة لأي "قيادة" مهما بدت محنّكة، خارج شرعية الجماهير صاحبة القرار أولا وأخيرا. فمن أبى استحال بيروقراطية عفنة يجترُّ كل خيبات الماضي بثقلها على كاهله.
إن اجهاض الديمقراطية الداخلية ووأد الاختلاف، فضلا عن كونه أدّى -ضمن عوامل أخرى- لانهيار تجارب سياسية عتيدة، تعامل زعماؤها مع معارضي نهجهم الاصلاحي وخياراتهم الانتهازية المحدودة حدود أفق البرجوازية الصغرى نفسها بمنطق "أرض الله واسعة"، يعتبر سمة مميزة للتنظيمات والاحزاب السياسية (الديمقراطية و"اليسارية" على حد سواء) في بلدان الطرف الرأسمالي، التي لا تختلف في شيء عن العشيرة أو القبيلة أو الطائفة أو العائلة.. وسواها من الأشكال التنظيمية البدائية التي تُغَلِّب العصبية العمياء في الإنتساب إليها. كما تسود داخلها نفس العلاقات البطريركية ولو جرى تنميقها ورونقتها بجُمل وتعابير "الرفاقية"، لذا كان بديهيا أن تنفَضَّ عنها الجماهير عند أول هزة اجتماعية وتعود للتمترس خلف انتماءاتها السابقة في انتظار بروز بديل ثوري حقيقي يحررها من أطناب الموروث الثقافي الرجعي المتخلف فيما هو يحرر العلاقات الإجتماعية من نظام الملكية الخاصة.
شبيهٌ بهذا، تمجيدُ شخص "الزعيم" ونسب جميع البطولات (الماضية على أية حال) إليه، فضلا عن محاربة أي تقييم نقدي لتجربته وممارسته واعتبارهما من المقدسات... أمور كلها لا يمكن أن تصنع مناضلين حقيقيين.. لا، ولا أن تبني تنظيما حزبيا من الطراز البلشفي الذي يصمد أمام العواصف الهوجاء ويخرج منها أقوى مما كان. وليس عبثا أن ضجر ماركس من كل عبادة للفرد كانت تَرِدُه من مختلف البلدان قبل أن يُقَرِّعَ أصحابها ويمنع نشر رسائلهم التي تعترف بأفضاله.
إن من لم يتحرر على الصعيد الشخصي والتاريخي، فردا كان أو حزبا، من كل إعاقة ذهنية وممارسية تلغي عملية النقد والنقد الداتي، يستحيل أن يتنطح لقيادة الجماهير وإنجاز المهام الثورية الملحة في بناء مجتمع بديل. فشرط هذا من ذاك، وبتعبير ماركس الصائب: "لا يمكن تحطيم أي شكل من أشكال العبودية إلا بتحطيم كل أشكال العبودية".

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا