حتى لا يبقى تخليد محطة 20 فبراير مجرد ذكرى خالية من أي مضمون



     سعيد فاروق 
الحوار المتمدن-العدد: 4724 - 2015 / 2 / 18 - 20:47      
إن الإمبريالية في سعيها الحثيث نحو الاستغلال و النهب لضمان استمرارية و ديمومة الرأسمال على حساب الشعوب , تخلف وراءها الدمار و الخراب و تخلق الآلاف و الملايين من صور الجرائم و الكوارث في صراع محموم بين شعوب العالم المهمشة و المستغلة و بين سطوة وهمجية الرأسمال العالمية .ولم تعد الإملاءات و التوجيهات التي تطرحها مؤسساتها و دواليبها المالية للدول التبعية كافية و لا كذلك سياسة الاستعمار المباشر قادرة على امتصاص الأزمة الخانقة و التنفيس عن التناقض الدائم و السريع بين القوى المنتجة و علاقة الإنتاج و بين طبيعة الإنتاج الاجتماعي و طبيعة الامتلاك الفردي و الممركز لرأس المال .بل فتحت حروب النهب و السلب و زكت الصراعات العرقية و الدينية في مناطق كبيرة من العالم لتجد المبررات الكافية و الإجماع و الموافقة الدولية على ارتكاب المزيد من الجرائم في حق الشعوب التواقة للتحرر و الإنعتاق ,فالإمبريالية و هي تخوض هذا الصراع تخلق الداء و تنتج الدواء لأجل إجماع مزعوم حول محاربة الإرهاب و التبشير بثمن الاستقرار الباهض ( أي الخضوع لهمجية الرأسمال و الاستغلال أو مواجهة خطورة ما يسمى الإرهاب ) الذي ليس إلا تدبير و إنتاج إمبريالي و" البعبع" الذي يتم به تخويف الشعوب المنتفضة و المطالبة بالتغيير في وجه الأنظمة العميلة في شمال إفريقيا و الشرق الأوسط .
و على منوال هذه السياسة ليس أمام الأنظمة التبعية إلا طريق واحد هو الاجتهاد و الانضباط أكثر في تطبيق و توفير شروط الاستغلال المطلوبة و فتح البلدان أمام الرأسمال لاستغلال العمال و تكبيل الشعوب بالمخططات الطبقية و القوانين الرجعية ,حتى لا تتهم بالإرهاب و حتى لا تخرج من الإجماع الدولي المزعوم ومن أجل الحفاظ على مصالحها و ضمان بقائها على رأس هذه الدول , و في هذا السياق و بعد مرور أربع سنوات على الانتفاضة المجيدة ل 20 فبراير و ما تلاها من حراك جماهيري واسع مطالب بالتغيير الجذري و بإسقاط النظام و على امتداد هذه المدة , أثبت الشعب المغربي و كل مناضليه الشرفاء و كل الحركات المناضلة إصرارهم على التغيير و بأي ثمن , حيث قدموا في معمعان هذا الصراع شهداء و معتقلين سياسيين ضريبة هذا الإصرار و هذا الصمود ( 5شهداء بالحسيمة , كريم الشايب بصفرو ,كمال الحساني بالحسيمة , فدوى العروي , محمد بودروة , أحمد بنعمار , نور الدين عبد الوهاب , مصطفى المزياني ,...)و الكثير من الإعتقالات السياسية في أكثر من منطقة في المغرب نال النصيب الأكبر منها مناضلي حركة 20 فبراير و الحركة الطلابية , وحركة المعطلين , حركة الباعة المتجولين و الفراشة ( معتقلة حركة 20 فبراير و حركة المعطلين بالحسية و بوكيدارن " مجموعة البشير بنشعيب و حليم البقالي ", مجموعة تازة طارق الحماني و عبد الصمد الهيدور, عز الدين الروسي , معتقلي حركة20 فبراير بالبيضاء في مجموعتين " مجموعة ربيع هومزين , مجموعة الرفاق الذين إعتقلو في مسيرة النقابات بالبيضاء ", المعتقلين بطنجة و على رأسهم سعيد الزياني , معتقلي الحركة بالرباط " إدريس بوطاردة ", المعتقلين ببني ملال ,المعتقلين السياسيين بمكناس مجموعة سفيان الصغيري , معتقلي مراكش مجموعة عزيز البور و عزيز الخلفاوي , معتقلي الحركة الطلابية مجموعة عبد الوهاب الرمادي و في وقت سابق محمد عدلي بفاس , و العديد العديد من الإعتقالات و التي تعد بالمئات في مختلف مناطق المغرب ...) 
وقد أفرزت الإنتفاضة المجيدة ل 20 فبراير و ما تلاها من إحتجاجات تساؤلات و نقاشات عديدة بين كل الأطراف داخل الحركة أو حتى الذين و قفو على مسافة منها و ما يهمنا هنا هو موقف المناضلين المخلصين من تقييم عملهم و تأطيرهم و فعلهم داخل هذه الإنتفاضة و كيف تفاعلو مع كل التغيرات و المحطات التي عرفها مسار الحركة , لذلك نرى أنه من واجبنا كمناضلين ماركسيين لينينيين أن نؤكد على أن تقييمنا لفعلنا و تعاطينا مع هذه الحركة تمييز على المستوى العام بما يلي :
1- المشاركة و الإنخراط الميداني :
لا يمكن لأي من الرفاق الماركسيين اللينينيين المغاربة و المتعاطفين معهم إلا أن يؤكد أن إنخراطهم في كل التظاهرات و التعبئة و بكل الأشكال و على صعيد كل الواجهات كان سمة بارزة رغم أن تأثيرهم في هذه التظاهرات و حجم الحضور و الـتأطير اختلف من منطقة لأخرى و تأثر بقوة الأطراف و القوى المشاركة .
2- الـتأطير و الشعارات و البرامج .
صحيح أن ما كان يرفعه أغلب المناضلين من شعارات هو أقصى ما يمكن أن تطرحه الحركة و أنها كانت تفوق مضمونا ما يطرحه كل المنخرطين و حتى المندسين فيها , لكن ما يمكن أن يميز شعاراتنا و برامجنا و حدود تأطيرنا هو أنها لم تكن موحدة ولا دقيقة و لا حتى منسجمة و يرجع ذلك بالأساس إلى تعدد وجهات النظر ,و إلى تشتت أغلب المناضلين و إلى غياب تواصل و تنسيق قبلي او حتى أثناء الانتفاضة باستثناء بعض اللقاءات التشاورية المحدودة في الزمان و المكان و حتى في نوع و موضوع التنسيق مما أثر سلبا على مستوى و نوعية الإجابات و البرامج و الشعارات التي حاول أغلب المناضلين المنتمين إلى المرجعية الماركسية الللينينية تأطير الحركة بها ,من جهة ثانية حاولت القوى الإصلاحية و تحت مبررات واهية و بغطاء ما سمي مجالس الدعم أن تلجم الحركة بشعارات و سقف مطالب لا يعرض مصالح النظام القائم لأي خطر حقيقي و يزكي دورها في قيادة الحركة .
3- التحولات الهامة و الفرز السياسي بعد الإنتفاضة :
في أول تعاطي للنظام القائم مع الحركة كان أن أسرع في خلق إجماع على ما سمي الدستور الممنوح ب (الدستور الجديد) و التحضير للإنتخابات بمباركة كل الأحزاب الرجعية و الإصلاحية باستثناء جزء صغير من أحزاب البرجوازية الصغيرة الإصلاحية و تحت وصاية مجلس دعم الحركة ظلت تقيد الحركة بسقف "الملكية البرلمانية "أو بشعار" محاربة الفساد و الإستبداد ",بل إن الأمر لم يقف في حدود الوصاية و التحكم حيث بدأت تضييق على المناضلين الخارجين على هذا الركب باستغلال إغلاق المقرات أمام الجموعات العامة و كيل الإتهامات و طرد المناضلين من الجموعات العامة في الوقت الذي يتم فيه دعوة الجماعة الظلامية (العدل و الإحسان) إلى تحالف و توطيد العلاقة معها لمواجهة المناضلين الماركسيين اللينينيين في التظاهرات الميدانية و في الشعارات أو في حسم الأشكال النضالية في الجموعات العامة , لكن الرهان الذي بادرت إليه هذه القوى سرعان ما أثبت إفلاسه في ظل الفضح الذي قاده الرفاق على هذه الأطروحات أو سواء في الانسحاب الكلي للقوى الظلامية من التظاهرات و الجموعات العامة (الحركة عموما ), لان حضورها ومن الأول كان لمراقبة و تتبع تطور الأمور لا أقل و لا أكثر , وحتى المطالب المرفوعة في 20 فبراير فهي مفروضة عليها ولا تؤمن بها 
4- تراجع القوى الإصلاحية و قمع همجي للنظام القائم :
بعد إنسحاب القوى الظلامية التي كانت أمل و رهان القوى الإصلاحية و بإعتراف جزء كبير من قادتهم ,سارع الإصلاحيون إلى إغلاق مقراتهم في وجه المناضلون و التنسيقيات التي تواليهم و لا تأتمر بمجالس دعمهم ,حيث خلقت تنسيقيات و عقدت جموعات عامة موازية للجموعات العامة الشرعية وقسمت الحركة و المناضلين و قزمت الأشكال النضالية مما فتح الباب على مصراعيه للنظام القائم لقيادة حملة اعتقالات واسعة شملت أغلب المناطق التي ظلت صامدة و منها ( الدار البيضاء ,طنجة , مراكش , الجديدة , فاس ,...) ,حيث قدمت الحركة و مناضليها الأوفياء و بالرغم من الإعتقالات السياسية , الحصار و القمع و المنع زخم نضالي وكانت حاضرة بقوة و أثبتت التظاهرات المدينة للنظام في قضية العفو عن " دانيال كالفان " قوة الحركة و قوة خطابها وزعزع أركان النظام لولا الإلتفاف و التنازلات الطفيفة و التضحية بخدامه في هذه القضية , مما عرى وجهه العميل و زكى مطلب التغيير الجذري الذي كانت ترفعه الحركة .
5- التبشير" بالإستثناء "المغربي و تخويف الجماهير الشعبية من "الإرهاب " وتسويق النماذج المجاورة .
كما أشرنا في بداية هذا التقرير , حاولت الإمبريالية في سعيها لحصار المد التحرري في شمال إفريقيا و الشرق الأوسط بخلق بؤر الإرهاب و القلاقل وزرع العملاء لتحطيم اي نموذج ناجح للانتفاضة بالمنطقة مما أثر بشكل سلبي على تعاطي أغلب الجماهير الشعبية مع التظاهرات فيما بعد , خصوصا في ظل الهجوم الذي يقوده النظام القائم على الحركة على المستوى الإعلامي و القمع و الاعتقالات و ترويج لخطاب الاستثناء و الاستقرار المغربي في مقابل الإرهاب و القتل و التوتر الذي تعرفه بلاد الانتفاضات , أمام وضع كهذا لم تمت الحركة كما يروج لذلك النظام و خدامه من صحافة وأحزاب رجعية و كل الانتهازيين و الوصوليين أو كما بشر بذلك كل الانهزاميين و العاجزين , بل ظلت حاضرة في كل المحطات و بجانب جميع الاحتجاجات الجماهيرية , صحيح أنها لم تكن بالقوة التي بدأت بها و لم تخرج بأشكالها المعهودة ولم تتطور ولم تفرز أشكال لفرض استمرارها القوي و المأمول , مما فرض على مناضليها عقد العديد من اللقاءات الوطنية و المحلية التشاورية لتطوير الحركة و بعثها و ضمان إستمرارالإنتفاضة .
6- أي أفاق نضالية و واقعية لحركة 20 فبراير و أي دور للمناضلين الماركسين اللينينين المغاربة فيها ؟
إن الظروف الدولية و الداخلية و التناقضات التي افرزت حركة 20 فبراير لا تزال قائمة بل إن الأوضاع تزداد سوءا كلما تراجعت الحركة و كلما حقق النظام أي إنتصارات جزئية , و عاد بنا النظام القائم إلى ما قبل الإنتفاضة و هو اليوم يتمادى في التنكيل و القمع و الإعتقال السياسي و السجون و الأحكام الصورية تتقاطر علينا كل يوم فمن الأحكام الجائرة في حق مناضلي الحركة الطلابية بفاس , مكناس , مراكش,....إلى الأحكام الجائرة و الثقيلة في حق حركة الباعة المتجولين و الفراشة إلى الأحكام القاسية في حق معتقلي حركة على درب 96 بإيمضر , إلى الأحكام الثقيلة و الجائرة في حق الأطر العليا المعطلة , واللائحة طويلة و الإعتقالات تمتد يوما عن يوم على إمتداد خريطة الوطن , مما يفرض على كل المناضلين المبدئيين الإنخراط الواعي و الفعال في الأشكال النضالية و التجذر في صفوف العمال و الفئات الشعبية المعنية بالتغيير , حتى نقوم بالدور المنوط بنا , فلا يمكن اليوم أن نتراجع او نبرر التقاعس و الإنبطاح تحت أي مبرر مهما كان , فلا يمكن للقمع أو الإعتقال أن يدفعنا للتراجع أو الإستسلام , فالقمع من طبيعة النظام , صحيح أنه قد يكون في مراحل معينة مكثف ولكن هذا ليس مبررا خصوصا و نحن الذين نرفع دائما شعار " لنبن الحزب تحت نيران العدو " , إننا اليوم أمام تساؤلات العمل و مداخل التأثير و المراكمة و التي لا يمكن أن نكون فيها بطبيعة الحال لوحدنا , و اليوم و نحن على أبواب تخليد الذكرى الرابعة لحركة 20 فبراير ينبغي أن نؤكد على ملحاحية و دور الحركة في بعث الأمل في التغيير و الاستمرار في تعميق الانتفاضة و الاستمرار بها و فيها بالتأطير و التكوين و طرح الشعارات و البرامج الملائمة لأنه نعتقد أن الظروف التي أفرزت الحركة ما تزال قائمة بل إن الوضع أصبح أكثر سوءا هذا من جهة , أما من جهة ثانية فإننا نعتقد أن المشاركة فيها تكسب الجماهير الشعبية تراكمات نعتقد أنها ستساهم لا محالة في تحقيق المهمة المركزية والمحورية في بناء الحزب المستقلة للطبقة العاملة و تساهم في إنضاج و إخصاب الشروط العامة للثورة المغربية , فلنساهم جميعا في إعطاء التظاهرات بعدا طبقيا حقيقيا , فلنواصل الطريق الذي أطلقته الإنتفاضة المجيدة , فلنعمق المكتسبات و لنحافض على مواقعنا في الصراع لتغيير موازيين القوى لصالح الجماهير الشعبية , لنؤكد على أننا معنيون حقيقة بالتغيير بالفعل لا بالقول .
عاشت حركة 20 فبراير صامدة و مناضلة .
عاشت نضالات الجماهير الشعبية

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا