الشوفينية بالمغرب حطب الثورة المضادة



مجدا و خلودا لك ياشهيدنا الغالي الرفيق محمد الطاهر الساسيوي الذي اغتالته الايادي القدرة للقوى الشوفينية الرجعية المسماة زورا و بهتانا ب "الحركة الثقافية الامازيغية" .هذه الصورة ماخودة قبل 22 يوما من استشهاذ الرفيق في تخليذ اليوم العالمي للطبقة العاملة بموقع مكناس 
النهج الديمقراطي القاعدي
الشوفينية بالمغرب حطب الثورة المضادة

"إن من يتحدث عن "العنف" بوجه عام دون أن يرى بوضوح إلى الأحوال و الشروط التي
تميز بين العنف الرجعي و العنف الثوري، إنما يعطي الدليل على أنه تافه ضيق
الأفق يتخلى عن الثورة" لينين 1

أعلنتها القوى الشوفينية حربا شعواء على الطلبة القاعديين في جل المواقع الجامعية، و قد يبدو الأمر للوهلة الأولى للمتتبع البسيط لما يحدث في الجامعات المغربية شيئا عاديا و إمتدادا طبيعيا... فقط لنفس أحداث السنوات الماضية، إلا أن المعطيات الجديدة التي يزخر بها حقل الصراع الطبقي دوليا و محليا، بالإضافة إلى حجم الحملة المسعورة التي تشنها فيالق الشوفينية على النهج الديمقراطي القاعدي يحملنا على القول بأن الرأي السابق بعيد عن الصواب، و لكي لا نتهم بسوق هذا الإستنتاج جزافا، سنحاول مقاربة المسألة من وجهة نظرنا لنبين سلامة قولنا متوخين في ذلك البساطة و الإختصار.
لقد عشنا جميعا أطوار الإنتفاضة البطولية للشعب التونسي و كيف واجهت الجماهير بصدورها العارية الأسلحة الفتاكة للعدو الطبقي، متبثة بذلك مرة أخرى صحة موضوعة ماركس حول كون " الجماهير هي صانعة التاريخ"، و نظرا لتشابه أوضاع بلدان المنطقة، إنتقلت حمى الإنتفاضة لتعم العديد من الدول و تابعنا تساقط عملاء الإمبريالية تباعا؛ و على الرغم من المداد الكثير الذي سكب حول أكذوبة "الإستثناء المغربي"، إلا أن النظام القائم في المغرب قد واجه حملة سخط شعبية واسعة لا زالت مستمرة لحدود الآن، و التي تجسدت في حركة 20 فبراير. هذه الحركة رغم محدودية مطالبها فرضت على النظام بعض التنازلات إقتصاديا و سياسيا و التي ينبغي تعميقها و العمل بكل جهد من أجل إستمرارية الحركة و إلتحامها بهموم الكادحين و المحرومين ضدا على سعي البعض للترويج لأفكار خاطئة حولها، و سعي البعض الأخر إلى تكبيلها بسقفه و أفقه المحدود.
لقد حاول النظام منذ البداية تشويه هذه الحركة مستعينا بوسائل إعلامه و جرائد الرصيف و جوقة الأحزاب، و حين فشل في ذلك حاول مرة أخرى عزلها ما أمكن، وفي هذا السياق بالضبط يأتي هجوم الشوفينية على الحركة الطلابية، التي بينت مرة أخرى إستعدادها لتكون أداة طيعة في أيدي النظام، و يكفي أن ننظر إلى الإنتفاضات العارمة التي شهدتها بلادنا منذ 1965 مرورا بإنتفاضة 1981 و 1984 و 1991 لندرك أن إلتحاق الحركة الطلابية بنضالات الجماهير الشعبية يعطي هذه الأخيرة بعدا أكثر كفاحية، فإلتحاق الحركة الطلابية (و نحن لا نقول طبعا بأنها ستكون بديلا عن الحزب الثوري) التي راكمت خبرات فكرية وسياسية بقيادتها السديدة النهج الديمقراطي القاعدي بحركة الجماهير العفوية كان سيزيد من سعتها و يجذر مطالبها وشعاراتها، مما سيجعل النظام مرغما على القيام بتنازلات ستحرمه مما راكمه لعقود طويلة ولنا في الدرس التونسي و المصري عبر.
إن الإستعانة بالنزعات العرقية و تسعير مشاعر الشوفينية و العنصرية، هي ممارسة قد دأبت عليها الإمبريالية لتشتيت صفوف الكادحين و شل وحدتهم و صرف أنظارهم عن عدوهم الطبقي الحقيقي. النظام القائم في المغرب بدوره يشجع مثل هاته النزعات العرقية بتسخير القوى الشوفينية التي تؤدي هذا الدور على قدم و ساق مستندة في ذلك إلى قضية مشروعة تماما، هي القضية الأمازيغية، من خلال تشويهها و جعلها غطاءا يستر أعمالها الإجرامية.
و تجدر الإشارة إلى أن حملة الشوفينية العسكرية وازتها حملة إيديولوجيةأيضا، الهدف منها تشويه مبادئ القاعديين و أفكارهم، من خلال نعتهم ب"العروبيين" و "القومجيين"، لكن القاعديين و إنسجاما مع مرجعيتهم الفكرية الماركسية اللينينية أمميون، فهم لا ينحازون إلى قومية دون أخرى، بل يؤمنون بنداء ماركس الشهير " يا عمال العالم إتحدوا".
و كجزء من الصراع الإيديولوجي الذي خاضه و يخوضه الرفاق ضد الشوفينية سنحاول طرح مجموعة من الأسئلة و الإجابة عنها تباعا، حتى تتضح الصورة أكثر لمن غاب عنه المضمون الحقيقي للصراع.

"نظام عروبي" أم نظام عميل للإمبريالية؟

إن عملية تشكل النظام السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي بالمغرب قد بدأت مع التغلغل الإستعماري و خاصة منذ 1912 أي منذ التدخل المباشر للإستعمار، حيث عمل هذا الأخير على تفكيك جزء من علاقات الإنتاج الإقطاعية بما يتلاءم و مصالحه الطبقية، وطيلة فترة التدخل المباشر للإمبريالية ستتشكل طبقات ترتبط مصالحها بشكل بنيوي مع هذه الأخيرة لتأتي بعد ذلك صفقة "إيكس ليبان" في ظل شروط موضوعية أوضحت للإمبريالية أن خوض الحروب ليس سوى مغامرة غير مضمونة النتائج، و تكلف الكثير و تضعف الإمبريالية أكثر فأكثر خصوصا مع المد الذي عرفته حركات التحرر الوطني عبر بقاع العالم، و غذت الإستراتيجية الجديدة تمشي في إتجاه تسليم السلطة لعملاء الإستعمار و المحافظة على المصالح الإقتصادية لهذا الأخير، و كانت "إيكس ليبان" كما أشرنا سابقا مزادا علنيا بيع فيه المغرب لصالح جشع الرأسماليين ليصبح هذا الأخير سوقا واسعة لتصريف فائض المنتجات و إستثمار اليد العاملة الرخيصة و موردا أساسيا للمواد الأولية أيضا. و لقد وصف البطل عبد الكريم الخطابي ما حدث آنذاك بأن الإستعمار خرج من الباب و دخل من النافذة. إن الدولة بإعتبارها أداة للسيادة الطبقية لا تحدد طبيعتها ببنائها الفوقي، فليس من الدقيق مثلا أن نقول دولة عربية أو دولة إسلامية أو بوذية...، بل تحدد ببنائها التحتي فنقول دولة رأسمالية أو دولة إشتراكية أو...! إن كل ما ذكرناه سيقودنا إلى إستنتاج واحد بلا شك، و هو أن خزعبلات القوى الشوفينية حول "عروبية" النظام مجرد شعوذة حقيرة.

"الميثاق الوطني للتربية و التكوين": يعكس "سياسة عروبية مريضة" أم مخطط طبقي؟

إن موقف القوى الشوفينية هذا لهو أمر مضحك حقا، و قراءة بسيطة للميثاق ستبين أن هذه العناصر حطمت رقما قياسيا في الغباء!!! إن كافة السياسات التي يعتمدها النظام تندرج ضمن ما يسمى بمسلسل التقويم الهيكلي الذي إنطلق منذ الثمانينات، و هناك العديد من المخططات ("المخطط الازرق"، "مدونة الشغل"، "المخطط الأخضر") التي يتم إعدادها من قبل مراكز للدراسات مرتبط بشكل مباشر بالشركات المتعددة الجنسية. فإتجاه النظام نحو الخوصصة هو إلتزام بتوصيات الدوائر الإمبريالية، و لا غرابة في أنه و صل إلى مستوى تفويت قطاع الخذمات لشركات أجنبية أيضا. إن الميثاق يندرج في هذا الإطار بالتحديد و قراءة متأنية لهذا المخطط تبين أنه يتضمن 3 مستويات هدفها الاخير هو تصفية التعليم المجاني و هي:

ــ إيديولوجي: و الهدف منه هو تسييد ثقافة الخنوع و الإستسلام أمام
الأمر الواقع و الذي عبر عنه الميثاق بصيغة إعداد مواطن صالح و متشبث
بالملكية... إلخ.

ــ إقتصادي: خوصصة التعليم، و المادة 24 من الميثاق واضحة بهذا الصدد إذ
تقول "يقصد بتعميم التعليم توفير تربية جيدة لناشئة المغرب من بالأولي من 4
إلى 6 سنوات و بالإلزامي من 6 سنوات إلى 15 سنة" أي أن التعليم الثانوي و
العالي سيكون مؤدى عنه و هذا ما سيؤكده المخطط الإستعجالي بدوره.

ــ سياسيا: ضرب الحركة الطلابية، ففرض رسوم التسجيل و خوصصة المرافق
الإجتماعية (أحياء جامعية، مطاعم، خزانة الجامعة...) و تقليص المنح و فرض
الإنتقاء سينتج عنه مباشرة حرمان أبناء الكادحين من حقهم في التعليم و
بالتالي تقويض الأسس المادية لهذه الحركة من خلال طرد القاعدة التي يؤهلها
إنتماؤها الطبقي للنضال و الكفاح.

إنطلاقا مما قيل فإن الميثاق هو مخطط طبقي بإمتياز هدفه الأول و الأخير خوصصة التعليم و تجهيل أبناء الشعب، سواء كانوا عربا أو أمازيغ، فهو لم يستثني الذين يسكنون في الرباط و الدار البيضاء و يفرض رسوم التسجيل على أبناء بومالن أو تنغير و يميز بين العربي و الأمازيغي، بل هو إملاء من الدواليب المالية وجب تطبيقه، أما عن موقف القوى الشوفينية فالإطلاع على الميثاق سيبين لصاحبه ـ شرط ألا يكون بغباء هؤلاء ـ أن هذا الأخير يعطي الأهمية و يقوي اللغات الأجنبية و بالمقابل فإنه يهمش اللغة العربية و يغيب بشكل شبه تام اللغة الأمازيغية، و على أية حال فلكي تكون العناصر الشوفينية منسجمة مع "مواقفها" حتى النهاية، كان عليها أن تصف البنك الدولي و مختلف مؤسسات الإمبريالية ب "العروبية" و "القومجية" أيضا.

صراع عرقي أم صراع طبقي؟

إن القوى الشوفينية تدعي أن الإنتماء الطبقي لا يوحد بين الناس بل الأصل العرقي المشترك و اللغة المشتركة هي ما يربطهم و يوحدهم، لكن الواقع يقول شيئا آخر و هذا ما سنوضحه فيما يلي، و حتى وحدة الأرض عنينا بها "أرض تموزغا" التي تتغنى بها الشوفينية لدعم ترهاتها فهي الأخرى بعيدة عن العلمية، فوحدةالأرض ليست دليلا على الأصل العرقي المشترك لسكانها بالضرورة، فطيلة تاريخ البشرية إختلطت القبائل و العشائر و الشعوب، يقول الرفيق ستالين بهذا الصدد "الأمة جماعة معينة من الناس، و ليست هذه الجماعة عرقية و لا قبلية، فقد تشكلت الأمة الإيطالية الحالية من الرومان و الجرمن و اليونان و الأتروسك و العرب إلخ... و مثل هذا يقال عن الإنجليز و الألمان و سواهم"2. هذه الحياة المشتركة أنتجت سمات إتنية مشتركة أيضا، بل إن نفس الأرض قد تعاقبت عليها شعوب مختلفة و هاجرت و تغيرت و أبيدت في أحيان أخرى أيضا.
أما عن "نظرية" الشعب "الأمازيغي" التي تروج لها الشوفينية فهي مثالية و رجعية و تكرس نفس الممارسة العنصرية إتجاه المكونات الأخرى للشعب المغربي. إن الشعب كشكل تاريخي لإجتماع الناس يضم في الغالب عناصر غير متجانسة عرقيا، لكنه يضم في الوقت ذاته طبقات ذات مصالح مشتركة إلى حد ما، و بالتالي فلا يوجد شيء يمنع إنضمام الناس لهذا الشعب حتى و إن لم يكونوا ينحدرون من العناصر العرقية الرئيسية له، و بالمقابل يمكن لطبقة بأكملها أن تنتمي إلى الأساس الإتني لهذا الشعب، لكن و لكونها إستغلالية و رجعية فلا يمكن أن يجمعها به أية وحدة طبقية أو ثقافية أو أي تعاطف ما دامت معادية للشعب. و لنأخذ مثالا بسيطا من مجتمعنا حتى يتضح ما نقوله أكثر.
عاملة زراعية بمنطقة اشتوكة ايت باها تعمل في ظروف صعبة، و تتلقى أجرا يتراوح بين 40 أو 50 درهم لقاء 10 ساعات من العمل المضني، تنتقل هذه العاملة في شاحنات حيث يتم تكديسها إلى جانب زميلاتها في وسائل النقل هذه كالبهائم تماما، و علاوة على هذا كله فإنها قد تتعرض للتحرش بشكل يومي إذا منحتها الطبيعة و لو مقدارا قليلا من الجمال من طرف "المراقب" الذي قد يكون أمازيغيا أو عربيا، و العاملة نفسها قد تكون عربية أو أمازيغية أيضا، لكن مع من ستتوحد هذه العاملة لكي تحسن ظروف عيشها؟؟ مع المراقب و الباترونا اللذان قد يكونان أمازيغيان لتنتزع من جهاز الدولة الذي وجد للحفاظ على المصالح الإقتصادية للمستغلين و من ضمنهم هؤلاء حقوقها الثقافية؟؟ أم أنها ستتوحد مع زميلتها العاملات و زملائها العمال لتحسين ظروف عيشهم و لإنتزاع حقوقهم و من ضمنها الثقافية أيضا؟ نترك الجواب هنا للقارىء. ََإن الترويج كذلك ل"نظرية" الجنس "العربي النقي" و الجنس "الأمازيغي النقي" يتناقض مع الواقع، و لقد أشرنا إلى إختلاط الشعوب و تلاقحها، بل إن هناك قبائل أمازيغية بأكملها قد تعربت و قبائل عربية قد تمزغت طيلة تاريخ المغرب، و هناك مناطق أخرى تتكلم لغة عبارة عن مزيج ما بين العربية العامية (الدارجة) و الأمازيغية، و حتى اللهجة العربية العامية نفسها تخضع في نظامها النحوي و الصرفي و التركيبي لنفس ما تخضع له الأمازيغية كما تبين ذلك العديد من الدراسات الأكاديمية، كما أن اللهجة العامية في طبيعتها المورفولوجية أيضا هي ذات طابع أمازيغي و بعيدة تماما عن اللغة العربية الفصحى فعلى النقيض من هذه الأخيرة نجد تتابع حروف السكون في كلماتها (اي اللهجة الدارجة).
إن الحديث عن الثقافة بشكل مجرد لا يعني إلا التفوه بالترهات، فأية ثقافة كيفما كانت لا توجد بشكل مستقل عن الطبقات المتناحرة في المجتمع، فالثقافة تصنع في ظروف إقتصادية و إجتماعية محددة، و بالتالي فليست هناك ثقافة واحدة، بل ثقافة سائدة و ثقافة بديل، ثقافة طبقة سائدة و ثقافة طبقة مسودة و لقد عبر ماركس عن هذا بقوله "إن أولئك الذين يسيطرون على وسائل الإنتاج المادي، يسيطرون في الوقت نفسه على وسائل الإنتاج الفكري و بالتالي فهم يخضعون لهم بشكل عام أفكار أولئك المحرومين من وسائل الإنتاج المادي"3.
لابد لنا هنا أن نعالج بعضا من "حجج" القوى الشوفينية أيضا التي تسوقها في إطار إنتقادها للرفاق، و لن نناقش مجمل هذه "الحجج" حتى لا نسبب للقارئ و لأنفسنا آلام رأس تمنع من تحقيق هذه المحاولة البسيطة لهدفها، لذا سنكتفي ب"حجتين" أو ثلاث، و التي تستحق إلى حد ما أن نوليها القليل من الإهتمام.
هل الماركسيون اللينينيون قوميون و عروبيون ؟
في إطار نعت القاعديين و الماركسيين اللينينيين عموما ب "القومجية" و "العروبية" تستشهد القوى الشوفينية بموقف الطلبة الجبهويين خلال المؤتمر 15 من التعليم و الموقف من القضية الفلسطينية، ثم بحديث الحملم في بعض وثائقها عن الثورة العربية خصوصا منظمة إلى الأمام، إن أخذ هذه المواقف بمعزل عن الشروط التي أفرزت فيها هو تشويه فظ للحقائق.
إن المادية هي احد الأركان الأساسية المكونة للفلسفة الماركسية و يمكن إختزالها في قاعدة "الواقع يحدد الفكر"، و الماركسية نفسها على حد تعبير إنجلز هي "إنعكاس للنزاع بين القوى المنتجة و علاقات الإنتاج في دماغ الإنسان، إنعكاس على شكل أفكار"4، و بهذا المعنى فإن الماركسية تغتني و تتطور بالجديد الذي يفرزه الواقع و بالدروس التي تلقننا إياها الاحداث، لولا ذلك لما كان الحديث عن اللينينية ممكنا مثلا بإعتبارها إغناء ا و تطويرا نوعيا للماركسية.
لقد سبق و أشرنا إلى مجمل الشروط السياسية و الإقتصادية التي تشكل فيها النظام القائم بالمغرب، طبيعة هذا الأخير لا تختلف في جوهرها ـ التبعية للإمبريالية و معاداة الشعوب ـ عن أغلب الأنظمة التي تشكلت في شمال إفريقيا و في الشرق الأوسط، إلا أن أحد سماته الأساسية هو تعويل الإمبريالية عليه للعب دور كلب الحراسة في هذه المنطقة بما هو حفاظ على ما هو كائن و سحق كل محاولة لنقض القائم، و ستأتي إتفاقية مدريد الموقعة سنة
1975 مع نظام فرانكو الفاشي تحت وصاية الإمبريالية الفرنسية و بمباركة الإمبريالية الأمريكية لتكرس هذا الوضع، و سيكون نظام ولد دادة الرجعي بموريطانيا أنذاك طرفا في هذه الإتفاقية أيضا، و التي بالإضافة إلى إعطائها
الضوء الأخضر للسفاح الحسن الثاني لضم الصحراء الغربية بطريقة يظهر بها هذا المجرم المسعور كبطل وطني حين دعى إلى المسيرة الصفراء، فإنها أيضا قد وضعت الترتيبات النهائية ليلعب النظام دوره في قمع ثورات شعوب المنطقة و كبح تطلعاتها بتنسيق مع إخوته في الرجعية بالسعودية.
إن هذا التحالف المعادي للجماهير قد حاول مرارا تدجين و إحتواء المقاومة الفلسطينية الباسلة و هذا ما سيتبدى بوضوح من خلال دعم غير المأسوف عليه الحسن الثاني كلب الإمبريالية الطيع أنور السادات حين زار القدس المحتلة و أرسى مسلسل التطبيع مع إسرائيل، ثم من خلال ترأسه أيضا لما يسمى ب لجنة القدس من أجل ترجمة خطط الامبريالية و الصهيونية و في نفس الوقت ذر الرماد في أعين الجماهير و إمتصاص غضبها. أما محليا فلقد تم قمع أبسط تحرك جماهيري يتضامن مع الشعب الفلسطيني و يندد بجرائم الصهيونية (في هذا السياق سيأتي
إستشهاد الرفيقة زبيدة خليفة)، و علاوة على هذا فلقد كانت محاولات سحق كل الحركات التقدمية ببلدان المنطقة تجري بحمية شديدة و من ضمنها الحركة الوطنية اللبنانية. إن موازين القوى هذه و التي أدركتها الحملم في تلك
الفترة كانت تفرض ضرورة عزل الرجعية و إضعافها و توسيع جبهة المعارضة ضدها،و تغذية الإستياء من هذا الوضع لدى الجماهير، و ذلك لتوفير الشروط اللازمة لتحقيق إنتصارات ساحقة على الإمبريالية و عملائها. و لقد كانت الحملم واعية بإمكانية تحقيق إنتصارات مؤقتة و جزئية في إحدى الحلقات الضعيفة للإمبريالية، إلا أن تحقيق إنتصار شامل و تحطيم سيطرة الإمبريالية بشكل نهائي يستدعي أن تعم الثورة بلدان المنطقة، أو على الأقل في خطوة أولى أن تكسب البروليتاريا المنتصرة بأحد البلدان تعاطف نظيراتها في البلدان الأخرى.
إن هذا التحليل أعلاه هو الذي إعتمدته الحملم في تبنيها للثورة العربية، و بالفعل فمادام الميدان المباشر لكفاح الجماهير الشعبية و على رأسها الطبقة العاملة هو بلدانها التي قد تجمع بينها روابط تاريخية، فإن هذا
النضال يتخذ في بعض الحالات طابعا قوميا من حيث الشكل، أما من حيث المضمون فهو نضال طبقي.
إن نعت الحملم بالقومية هو إدعاء باطل، فهدف هذه الأخيرة كان أسمى و أعظم من تلك النزعات القومية التي تراود مخيلة برجوازي صغير ضيق الأفق و هذا ما سيظهر بجلاء من خلال موقف الحملم إزاء نظام الناصريين و البعثيين الذين إنتقدتهم و إعتبرتهم مجرد أنظمة لما يسمى برجوازية الدولة و التي لم تستطع أداء مهام البرجوازية نفسها ــ بناء إقتصاد وطني، الحسم مع التبعية للإمبريالية، إصلاح زراعي... ــ فما بالك بتحقيق طموحات شعوبها ما دامت معادية لها من حيث الجوهر وإن قضايا الإستراتيجية الثورية عند الحملم كانت ذا طابع أممي، بدليل أن هذه الحركة خصوصا منظمة إلى الأمام التي تعتبر الثورة العربية مرتبطة بالثورة العالمية، تشير إلى أن التداخل بين الثورة العربية و العالمية سيشكل عاملا حاسما في نمو الثورة لتشمل كل بقاع العالم5، بالإضافة إلى أن الثورة الكوبية و الثورة الثقافية الصينية و الإنتصارات الساحقة للشعب الفيتنامي على الإمبريالية الأمريكية... كلها عوامل موضوعية ساهمت بجانب عوامل موضوعية أخرى و ذاتية في ظهور و تشكل الحملم.
لقد كانت القضية الأمازيغية ضمن إنشغالات مناضلي الحملم، إذ تشكل جزءا لا يتجزأ من برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، و هناك وثيقة لمنظمة الى الأمام كتبت سنة 1976 بعنوان "حول المسألة الأمازيغية" و
بالتالي فان الإدعاء القائل بغياب الأمازيغية في أدبيات الحملم هو رأي خاطئ.
لننتقل الآن إلى موقف أوطم من القضية الفلسطينية و التي إعتبرتها قضية وطنية في المؤتمر 13 ليتم إعادة تأكيده في المؤتمر 15، لقد أشرنا سابقا إلى الأدوار الخيانية التي يلعبها النظام القائم بالمغرب في حق الشعب الفلسطيني
الذي يواجه إلى جانب شعبنا نفس العدو، قصدنا به الثالوث الإمبريالي الصهيوني الرجعي، لذا فإن هذا الموقف لا ينطوي على أي تعصب قومي، بل هو موقف علمي إذا أخذنا بعين الإعتبار وحدة الأهداف و المصالح بين الشعبين،
فحيثما هناك وحدة مصالح هناك وحدة إرادة أيضا، بالإضافة إلى أن النظام الجاثم على صدور شعبنا كان طرفا في المؤمرات و الدسائس التي تحاك ضد الشعب الفليسطيني، و لأن الجماهير الشعبية ببلادنا كانت دائما تكن تعاطفا خاصا إتجاه فلسطين فلقد كانت هذه القضية مدخلا لتسييسها خصوصا فئة الشباب بالجامعات، و من هنا سنفهم الأهمية التي أولاها الجبهويون لهذه القضية.
حول الموقف من التعليم

بقي لنا أن نوضح النقطة المتعلقة بموقف الطلبة الجبهويين من التعليم في المؤتمر 15 "تعليم شعبي عربي ديمقراطي علماني علمي و موحد"، كنا قد أعطينا تلميحات فيما سبق عن أن الماركسية تتطور و تغتني دائما بالجديد الذي لا يبخل به الواقع، كما أن قوانينها و نظرتها إلى العالم و قدرتها على التحليل التي عجزت البرجوازية عن تشويهه رغم أن لها باعا طويلا في هذا المجال، لم تتشكل دفعة واحدة و لم تكن قالبا جاهزا إكتشفه ماركس و إنجلز على حين غرة ! فتحول هذين المفكرين العبقريين إلى المادية الجدلية كان عملية متواصلة و متدرجة على أساس الدراسة النقدية لأعظم منجزات الفكر البشري السابق، انتهى بإحداث إنقلاب عظيم في مجال الفلسفة و في الجانبين الآخرين للماركسية أي الإقتصاد السياسي و الإشتراكية العلمية.
إن حركية الصراع الطبقي لم تفرز المسألة الأمازيغية أنذاك، و حتى الجمعيات التي كانت تنشط في هذا المجال فلقد كانت جمعية واحدة تأسست سنة 1967 بالرباط و تدعى "الجمعية المغربية للبحت و التبادل الثقافي" و جل نشاطها و إهتماماتها مرتبط بالثقافة الشعبية ( فلكلور... )، و من جهة أخرى فإن التعليم كان مفرنسا (أي باللغة الفرنسية)، و كانت ضرورة القطع مع التبعية للإستعمار على الصعيد الإديولوجي أيضا مسألة تشغل بال الجبهويين، حروف تيفيناغ و الأمازيغية عموما لم تكن مؤهلة آنذاك كلغة، فلم يحسم بعد في العديد من الحروف كما أن البناء التركيبي و الصرفي و النحوي للغة الامازيغية لم يتم وضع أسسه بعد، فلقد كانت أقرب في تلك الفترة إلى لهجة منها إلى لغة، فهذه اللغة تتفرع عنها اكثر من 11 لهجة (تاريفت، تاشلحيت، اللهجة القبائلية، لهجة أوجلة، اللهجة الغدامسية لهجة بني مزاب، اللهجة الزوارية...) فمعيرة الأمازيغية بمعنى توحيدها و وضع قواعدها الإملائية و النحوية و الصرفية و التركيبية و تحديد معجم مضبوط يكون متعارفا عليه هي عملية أساسية لا مناص منها لكي ترقى أي لهجة إلى مستوى لغة، هذه القاعدة تنطبق خصوصا على اللغات الثراتية التي تعد الأمازيغية واحدة منها. إن الكتابة الأمازيغية بحروف تيفيناغ كما نعرفها اليوم ( التي تتكون من 33 حرفا، 29 من الصوامت و 4 صوائت) بالإضافة إلى قواعدها قد وضعت بشكل نهائي من طرف ما يسمى ب "المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية" فقط في سنة 2003، و على ضوء هذه المعطيات ستعترف المنظمة العالمية للمعيرة (ISO) باللغة الأمازيغية سنة 2004 ، و لا ننسى هنا أن نذكر بالخلاف الذي كان قائما أنذاك حول وسيلة تدريس الأمازيغية، بالحرف اللاتيني أو العربي أو بحروف تيفيناغ الذي سيحسم لصالح الطرح الأخير سنة 2003 ، 6 إذا في إطار الشروط التي أشرنا إليها أعلاه بالضبط أنتج الموقف من التعليم و الذي سيتم إعادة صياغته بشكل أكثر علمية و بمزيد من التدقيق "تعليم شعبي ديمقراطي علمي و موحد"، لكن القوى الشوفينية و بذكائها الخارق تنبري لتقول: " لقد فات الآوان أين هو التحليل الملموس للواقع الملموس؟ لماذا لم تتخذوا هذا الموقف منذ البداية؟؟" هذه المحاكمة الخرقاء شبيهة بمن يصرخ في وجه مخترع القطار البخاري قائلا: " لماذا إخترعت قطارا بخاريا، لم لم تستعمل علمك لإختراع قطار سريع..." إن هذا "المنطق" يقوم على أساس فصل الذات عن التاريخ، فصل الإنسان الملموس عن الظروف الملموسة التي عاش فيها و بتجريد الإنسان يصبح سهلا على هؤلاء أن يصوغوا حماقات مغرقة في التفاهة ضد القاعديين، سنبتسم و نقول لا ريب أن هذا الكليب قوي جدا إذ ينبح في وجه الفيل.

يصفوننا بأعداء الحياة، و هم المدافعون عنها، و بالطبع فهم أنصار حياة و مصالح الرجعية و مصاصي دماء الشعب، إنهم فرسان لا يشق لهم غبار حين يتعلق الأمر بالكلام الفارغ أما المسالة الأمازيغية فتفصلهم عنها مسافات ضوئية
شاسعة، فما الذي قدموه من أجلها؟؟ و ماهو جوهر "نضالهم" في الدفاع عنها؟؟ النظام في دستوره الممنوح أعلن في الفصل 5 :"تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية...يحدد قانون تنظيمي كيفية إدماجها في مجال التعليم و في مجال الحياة
العامة ذات الأولوية..." بمعنى أن الأمازيغية ستطبق في القضاء و الإدارات وستوظف في الإعلام و التعليم... فهل حققوا مرادهم أم أن هذه المنح المسمومة مجرد إنتصار وهمي أو إن شئنا الدقة مضادات حيوية ستطيل من حياة هذا النظام المتعفن؟ فما معنى أن يتكلم القاضي الأمازيغية إن كان النظام القضائي أصلا موجودا للدفاع عن مصالح الأغنياء؟ ما معنى إدماج الأمازيغية في إعلام الهدف منه تدويخ و تشويه وعي الجماهير، أم أن ترجمة جملة "دشن صاحب الجلالة مشروعا بمدينة..." إلى الأمازيغية بعد أن صمت أذاننا بالعربية سيشكل فرقا؟ وما معنى تدريس الأمازيغية في تعليم يروج لإديولوجية النظام؟ نقول لهؤلاء أن الغبي وحده هو من يتناول أقراص الأسبيرين ليعالج مرض السرطان، و تخلصه من هذا المرض لن يتحقق إلا في مخيلته، أما نحن فندعو إلى بتر الأطراف المصابة بالسرطان و التخلص منها بدون رحمة أو تردد.
بقي لنا أن نقول أن القوى الشوفينية تعتبر الأمازيغية حقا حصريا لا يحق لأحد التحدث عنه، و على طريقة سارتر و إن بشكل أكثر تشويها "الآخر هو القومجي"، فإما معي أو ضدي أي في خانة القومجيين، و لا يهم إن كنت تستحضر الأمازيغية في جدول أعمالك النضالي أو لا، فإن لم تكن تفعل فأنت قومجي، وإن كنت تفعل فما زلت قومجيا تسترزق و تتاجر بالقضية الأمازيغية أيضا.. بإختصار إنها السفالة و الغباء في آن واحد.
إن مختلف محاولات الإقبار التي تتعرض لها الحركة الطلابية تأتي كأشكال قمعية موازية لعملية تطور الصراع الطبقي، فمع نمو و تزايد النضالات الثورية تشتد حدة قمع الرجعية، و لسنا في حاجة إلى أن نشير أن الحركة
الطلابية بقيادة الطلبة القاعديين كانت تزداد قوة و صلابة في خضم هذا الصراع الضاري، فعدالة القضية و صحة الخط الفكري و السياسي للقاعديين و صلابة قناعتهم كانت دائما عاصفة تضرب بكافة مؤمرات النظام و أذنابه عرض الحائط.
إن مواجهة الشوفينية ليست خيارا بل هي مهمة ضرورية تطرح نفسها بإلحاح أمام كل الثوريين، فإسقاط هذه المهمة من جدول أعمالنا معناه ترك الجماهير تحت رحمة السموم التي تنشرها القوى الشوفينية في صفوفهم و أداء صلاة الجنازة على وحدة الكادحين التي تشكل شرطا ضروريا للإنتصار، فعدم مواجهة القوى الشوفينية إيديولوجيا و سياسيا و عسكريا سيجعل صاحبه ـ الذي ينسب نفسه إلى معسكر الثوريين ـ يتشبث بحتمية الثورة قولا و يتخلى عنها عمليا7. أما أولئك الذين رفعوا الرايات البيضاء دون أن تكون لديهم أدنى رغبة في دخول ساحة الحرب، أصحاب منطق "الحوار" و "الصراع الفكري الحضاري"... فلقد بين التاريخ إفلاس طروحاتهم و إحتلالهم المرتبة الأولى في تبني سياسات الإنبطاح و الإستسلام، و نقول لهم على لسان ماركس "إن سلاح النقد لا يمكن أن يعوض عن نقد السلاح"8 كما أن العنف هو معطى موضوعي ناتج عن إشتداد حدة التناقضات و خارج عن إرادة البشر رغم أنهم يمارسونه، شأنه شأن قوانين المجتمع فهي الأخرىموضوعية و بالتالي موجودة بإستقلال عن إرادة الناس بالرغم من أنها تشكل مجالا للنشاط الإنساني، نقول لهؤلاء هنيئا لكم
بالحضيض، هنيئا لكم بقاع المستنقع.

عاشت الأمازيغية الموت للشوفينية
عاشت الثورة المغربية
عاشت الحركة الطلابية

1ـ1 "الثورة البروليتارية و المرتد كاوتسكي" لينين
2ـ 2"القضية الوطنية: نشوئها تطورها حلولها" ستالين
3ـ3 "(فويرباخ التضاد بين العقيدة المادية والعقيدة المثالية) الفصل الأول من "الإديولوجية الألمانية"ماركس إنجلز
4ـ4 "ضد دوهرينغ"إنجلز
5ـ أنظر بهذا الصدد مقالة إلى الأمام "سقطت الأقنعة فلنفتح الطريق الثوري")5
6ـ6 أنظر مقال "مدخل إلى الكتابة الأمازيغية" لصاحبه جميل حمداوي على سبيل المثال أو "تحديات التدبير المؤسساتي للشأن الأمازيغي: حالة تعليم اللغة الأمازيغية" لعبد السلام خلفي.
7 ـ7 نشير هنا إلى أن الماركسية إذ تنبذ النظرة الإرادوية فهي تنبذ بالقدر نفسه النظرة القدرية التي تتعامل مع الثورة كيوم القيامة الموعود عند المسلمين، فالقول بحتمية الثورة يجب أن يوازيها عمل دؤوب من أجل تحقيقها.
8 ـ 8"نقد فلسفة الحق عند هيغل"ماركست

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا